خطاب العهد والحكومة في موضوع حصرية السلاح أعاد التذكير بأهمية ما كان يسمّيه الرئيس سليم الحص “سلاح الموقف”. موقف الشرعية الدستورية والوطنية الذي يبقى قوياً مهما تكن ظروف الدولة في الحرب، وسط تسلّط القوى الخارجية والفصائل والميليشيات المسلّحة على البلد والناس. لكنّ الشرعية التي تجدّدت هي اليوم الطرف الأقوى المدعوم شعبياً وعربياً ودولياً في مرحلة التحوّلات الهائلة في لبنان والمنطقة. ولا يصحّ أن تكتفي بسلاح الموقف، ولا أن تتراجع إلى موقف دفاعيّ على جبهة السلاح خارج الشرعية، ولا أن يبدو “الجديد” الذي علّق الناس الآمال عليه كأنه ضيف موقت على “القديم” الذي استمرأ الهيمنة على كلّ شيء.
ذلك أن مستقبل لبنان على المحكّ. فرنسا تقول بلسان وزير خارجيتها إنّ “لبنان مهدّد بالانهيار حرفياً”. وأميركا والسعودية ومعظم الدول العربية تكرّر ربط الانفتاح الكامل وتدفّق الاستثمارات وتقديم المساعدات بسحب سلاح “حزب اللّه”. والجمود، إذا تراجع “الجديد” عن المهمة التي التزمها داخلياً وخارجياً، ليس أقل خطورة من الانهيار. والكل يعرف أن الموقف الإيراني الفعلي ليس ما قاله وزير الخارجية عباس عراقجي خلال استقبال المسؤولين له بل ما أعلنه أمام ضريح السيد حسن نصرالله حول “ازدياد قوة المقاومة”، والزيارة هي في حدّ ذاتها إعلان خلاصته أن إيران هنا في بيروت. والكلّ سمع النائب محمد رعد يقول حول الحوار عن سلاح “حزب اللّه” إن “الوقت مفتوح، ولا أحد لاحقنا”، مع أن الضغوط على العهد والحكومة قوية عربياً ودولياً، والوقت ليس مفتوحاً، والتحوّلات المتسارعة تحتّم خروج لبنان من المأزق.
وخيار “التسخين والتبريد” الذي وضعه رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمام رئيس الحكومة نواف سلام ينطبق عملياً على موضوع السلاح. فما يصرّ عليه العرب والغرب وتدفع نحوه أكثرية اللبنانيين هو “تسخين” سحب السلاح من “حزب اللّه”. وما يتوقّف عنده “الثنائي الشيعي” وتعمل له الجمهورية الإسلامية في إيران هو “تبريد الموضوع” إلى حدّ التركيز على بقاء السلاح.
و “المقاومة ضرورية” في رأي المرشد الأعلى علي خامنئي للوقوف “في مواجهة الاستكبار والقوى العظمى، وهي أوسع من رفض إملاءات العدو”. وهذا يعني أن يلعب لبنان دوراً معاكساً لدوره الوطني والطبيعي في مواجهة العرب والغرب، بصرف النظر عمّا أصابه من دمار على مدى ثلث قرن من “المقاومة الإسلامية” على يد العدو الإسرائيليّ، وما تعرّض له من عزلة عربية ودولية قادت إليها مواقف “حزب اللّه” في خدمة المشروع الإقليمي الإيراني على حساب المشروع الوطني اللبناني.
والمفارقة أن حزباً أيديولوجياً مذهبياً مرتبطاً عضوياً بالجمهورية الإسلامية ومنها ماله وسلاحه وقراره يتهم أكثرية اللبنانيين باللاوطنية والخضوع لإملاءات السفارات بحجّة العداء للمقاومة. وهي مقاومة ارتكبت أكبر خطأ استراتيجي هو البحث عن “توازن ردع” أو توازن قوى بين مقاومة ودولة معادية هي الأقوى في الشرق الأوسط، بحيث بنت جيشاً كامل الأوصاف تمكّنت إسرائيل من توجيه ضربة قوية لأسلحته وقادته، بدل العمل كمقاومة تحت الأرض. حتى القوات الدولية “يونيفل” المكلفة مساعدة الجيش اللبناني في بسط سيادة الدولة وتطبيق القرار 1701، فإنها تتعرّض لمضايقات واعتداءات تحت عنوان “الأهالي”، بحيث تجد نفسها تمارس المراوحة في المكان، وتبدو مجرّد أداة في “سياحة أممية” تساهم في إنعاش اقتصاد الجنوب اللبناني وتقديم مشاريع لقراه.
والسؤال، بعد الوصول إلى مقاومة مع وقف التنفيذ من دون التخلّي عن السلاح هو: هل صار “حزب اللّه” رهينة المشروع الذي راهن عليه، بحيث لا يريد الخروج منه ولا يستطيع ولو أراد؟ “حزب اللّه” ليس حزب الأسئلة بل حزب الجواب السرمديّ الأبدي. و “كل حياة هي سباحة في بحر اللايقين” كما يقول إدغار موران.