IMLebanon

الهرب من المتغيرات

 

في البدء كان الخطأ في المركز قبل الأطراف: تخطيط لمشروع كبير ينطلق من تصحيح التاريخ بمفعول رجعي كأن الزمان ثابت، ليصل إلى تغيير الجغرافيا. وليس الاتكال على قراءة إيديولوجية في التحولات السريعة في المنطقة سوى استمرار للهرب من القراءة الجيوسياسية الواقعية. فما حدث في غزة ولبنان وسوريا وبالتالي في إيران، حسب القراءة الإيديولوجية، هو مؤامرة على «المقاومة الإسلامية» فشلت في القضاء عليها، بحيث تستعيد قوتها على طريقة المثل الفرنسي القائل: «خطوة إلى الوراء من أجل قفزة أفضل إلى الأمام». وأقل ما حدث، حسب القراءة الجيوسياسية، هو خمسة متغيرات.

 

 

 

أولها انحسار المشروع الإقليمي الإيراني في اتجاه الانحصار ضمن حدود إيران الجغرافية، ومعه «وحدة الساحات». وثانيها نهاية الدور الإقليمي الذي لعبه «حزب الله» في سوريا والعراق واليمن وغزة، ودور المقاومة عبر الجنوب اللبناني. وثالثها تصغير الدور الروسي وإنهاء الدور الإيراني في سوريا بعد انهيار نظام الأسد وتوسع الدور التركي والدور الإسرائيلي. ورابعها استعادة لبنان لنفسه ودولته واسترداد السيادة وقرار الحرب والسلم. والخامس هو استحالة تحرير فلسطين بالقوة من غزة والتي تستطيع إسرائيل قطع كل شيء عنها.

 

 

 

ذلك أن اللعبة الوحيدة في المدينة بالنسبة إلى لبنان صارت تطبيق القرار 1701 «على كامل الأراضي اللبنانية وبكل مندرجات القرار»، كما يقول الرئيس جوزاف عون، ويضيف إليه أنه «لم يعد مسموحاً لغير الدولة بحماية الأرض». فمن الخطأ أن يتصرف «حزب الله» كأنه يضع الدولة أمام امتحان حين يقول إن تحرير الأرض المحتلة إسرائيلياً هو مسؤولية الدولة، ويوحي أن تأخرها أو تعثرها يعطيه الحق في ممارسة المقاومة. والخطأ الاكبر هو تلويح جماعة الممانعة بـ «حرب أهلية» رداً على الدورين الأميركي والسعودي. فالتجربة حية أمامنا.

 

 

 

إذا كانت الدبلوماسية عاجزة عن إخراج قوات العدو من الأرض اللبنانية، فإن ممارسة المقاومة قادت الى الإحتلال الإسرائيلي الذي لم يكن قائماً قبل «حرب الإسناد». لا بل إن ما بعد «طوفان الأقصى وحرب الإسناد» كان السماح الأميركي لإسرائيل باحتلال المزيد من الأرض في لبنان وسوريا وحرية الحركة في غزة ولبنان وسوريا والعراق، بحيث تقصف في أي مكان تدعي أنه يمثل تهديداً لها. فضلاً عن أن التسليم بمسؤولية الدولة عن تحرير الأرض ليس شرطاً عليها لأنه في الأساس حق لها وواجب عليها. وأخطر ما يحدث هو اختراع حرب أهلية داخلية لا أطراف لها كبديل من حرب عسكرية على إسرائيل. ولا معنى للإنشغال بحديث ستيف ريتكوف مطور العقارات الذي عينه الرئيس ترامب موفداً إلى الشرق الأوسط وهو لا يعرف شيئاً فيه، حين أوحى أن لبنان وسوريا قريبان من الانضمام إلى «اتفاقات أبراهام» مع إسرائيل بعد ضعف النفوذ الإيراني. فالعداء في لبنان وسوريا لإسرائيل سابق لقيام الجمهورية الإسلامية والفصائل التي أسستها تحت عنوان «المقاومة الإسلامية». ولا مجال، لا هنا ولا في السعودية، لأي تطبيع من دون قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشرقية. أما سياسة دفع لبنان إلى الدخول في المدار الإيراني، فإنها كانت ضد طبائع الأمور وكون لبنان جزءاً لا يتجزأ من العالم العربي المنفتح على الغرب والشرق. وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين يقول عن العراق ما ينطبق على لبنان وهو: «خرق السيادة ليس فقط عندما تهاجم دولة معينة الأراضي العراقية بل أيضاً، والأخطر، هو خطف القرار العراقي».