لا يكفي أن يشتكي لبنان للأمم المتحدة وهو العالِم أن شكواه مصيرها الأدراج
منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في شهر تشرين الثاني من العام الماضي بين لبنان وإسرائيل، تتواصل الخروقات الإسرائيلية اللهدنة، مما يهدد استقرار المنطقة ويعيد فتح ملف النزاع القديم بين الجانبين. ورغم الجهود الدولية والمطالبات اللبنانية المتكررة بإلزام إسرائيل بالامتثال للقرارات الدولية، تواصل إسرائيل انتهاك اتفاق الهدنة وقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي تم إقراره في العام 2006، والذي ينص على إنهاء الأعمال العدائية في جنوب لبنان وضمان الاستقرار في المنطقة.
منذ الاتفاق على الهدنة، سجلت العديد من الخروقات الإسرائيلية، حيث استمر جيش العدو الإسرائيلي في شن غارات جوية على مناطق جنوب لبنان، ما أسفر عن استشهاد وإصابة العديد من المدنيين، وتدمير ممتلكات،تجت حجج مختلفة، حيث غالبا ما تبرر تل ابيب هذه الخروقات بوجود «تهديدات» من مجموعات مسلحة، لحزب الله، كما تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلية قصف المواقع التي تدعي أنها منشآت تابعة للحزب، وهو ما يزيد من حدة التوترات اليومي.
وفي ظل تصاعد الخروقات الإسرائيلية، ردت الحكومة اللبنانية عبر المسارات الدبلوماسية، حيث تقدم لبنان بأكثر من شكوى إلى مجلس الأمن الدولي مطالباً بوقف الانتهاكات الإسرائيلية. وقد أكدت الحكومة اللبنانية في أكثر من مناسبة أن لبنان ملتزم بقرار مجلس الأمن 1701 ويدعو إلى إلزام إسرائيل بتطبيقه بالكامل. كما طالبت الحكومة اللبنانية المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في إلزام إسرائيل بوقف هذه الخروقات، غير ان كل هذه الشكاوى توضع كالعادة في ادراج الحفظ حيث لا يحرك مجلس الأمن ساكنا ، لا بل انه يتغافل عن كل ما تقوم به اسرائيل، باستثناء الأمين العام للأمم المتحدة الذي يكرر القول أن «الهدنة بين لبنان وإسرائيل يجب أن تُحترم من قبل الطرفين». كما دعا إلى تعزيز دور قوات اليونيفيل في مراقبة الحدود الجنوبية، وتكثيف التعاون مع الجيش اللبناني لضمان الالتزام الكامل ببنود القرار 1701.
ومع ذلك، بقيت الضغوط الدولية على إسرائيل خجولة في العديد من الأحيان، حيث أبدت بعض القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة تحفظاتها على إدانة إسرائيل بشكل علني، على الرغم من تأكيداتها بأن «الهدنة يجب أن تُحترم». هذا الموقف الدولي المعقد يعكس التحديات التي يواجهها لبنان في الحصول على دعم قوي من المجتمع الدولي ضد الخروقات الإسرائيلية.
ووفقا للتعامل الاسرائيلي العدواني مع اتفاقية الهدنة، والصمت الدولي حيال ذلك ،فإن الخروقات الإسرائيلية هذه تضع العديد من العقبات أمام تنفيذ القرار 1701، حيث أن هذا القرار لم يحقق الاستقرار الكامل على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية منذ إقراره في 2006. كما أن انتشار الجيش اللبناني في الجنوب يظل محدوداً، حيث لا تستطيع هذه القوات نشر قواتها بشكل كامل في مناطق الحدود بسبب الانتهاكات المستمرة من الجانب الإسرائيلي.
ولا بد من الاشارة الى ان الخروقات الإسرائيلية لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل إن لها تأثيرات كبيرة على الوضع الإنساني في لبنان. تدمير البنية التحتية، وقصف المدنيين، وتهجيرهم من مناطقهم، زاد من تعقيد الأوضاع الإنسانية في جنوب لبنان، حيث تشير التقارير إلى أن آلاف المدنيين اضطروا إلى النزوح عن منازلهم بسبب تدميرها بالكامل، مما يزيد من معاناة الشعب اللبناني في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها البلد.
إضافة إلى ذلك، فإن الخروقات الإسرائيلية تؤدي إلى تعزيز حالة من التوتر والخوف بين السكان في جنوب لبنان، ويُشكل تهديدًا للأمن العام في المناطق المتأثرة بهذه العمليات العسكرية.
وحيال ما تقدم، يبقى السؤال الى متى يبقى الجانب الإسرائيلي يواصل خرق بنود الاتفاقية، بما يهدد الاستقرار في المنطقة ويعزز من حالة الانعدام الأمني التي يعاني منها الشعب اللبناني.؟ لا شك إن الطريق لتحقيق السلام في هذه المنطقة يحتاج إلى إرادة سياسية دولية وإقليمية حازمة في إلزام إسرائيل بوقف هذه الخروقات والامتثال للقرارات الدولية، الأمر الذي سيضمن في النهاية استقراراً حقيقياً للبنان والمنطقة ككل.