بعد أسبوع من إطلاق ثلاثة صواريخ مجهولة تجاه المستوطنات الإسرائيلية سقط بعضها في الأراضي اللبنانية، أُطلقت مجدداً أمس، صواريخ مجهولة من بلدة قاقعية الجسر التي تبعد نحو 5 كلم عن بلدة يحمر الشقيف المواجهة مباشرة لقرى الحافة الأمامية، لتنطلق بعدها موجة جديدة من الغارات والقصف المدفعي الإسرائيلي، في خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار.
وما إن طالت الغارات بلدة يحمر الشقيف، وتحديداً عند أطرافها المواجهة لنهر الليطاني، حتى خلت الطرقات من المارة. استعاد الناس الأيام الأولى من الحرب، أخلوا الشوارع والتزموا منازلهم، في حين أقفلت المدارس أبوابها تحسّباً لأيّ تصعيد محتمل. إن فكرة اندلاع الحرب تشغل بال الجميع، حتّى أن بعضهم يجزم أنها واقعة لا محالة، وقد يكون التصعيد الأخير، شرارة بداية الحرب.
في الطريق نحو بلدة كفرتبنيت التي خلت من السيارات، وحدها أصوات الإسعاف تخرق الصمت الذي ساد المكان. هي المرة الأولى التي تتعرض فيها بلدة كفرتبنيت للغارات منذ انتهاء الحرب، كما أنها المرة الأولى التي تستهدف فيها أحياء سكنية ويسقط مدنيون.
يركض حسين حيدر تجاه المنزل المستهدف، صارخاً: “راحت عيلتي”. هو أحد النازحين من بلدة الخيام، هرب من لهيب الحرب في موجتها الأولى واستقرت به الحال في منزل الرائد شرف الدين في كفرتبنيت، يجلس عند ما تبقى من مدخل المنزل، يبكي بحرقة، انتشلوا زوجته، فيما نقل ابنه إلى المستشفى، ويقول “هيدا غدر الإسرائيلي، لا يوجد شيء هنا، سوى عائلتي والعائلة التي نسكن عندها، هذه هي الصواريخ، هربنا من الخيام فقتلتنا إسرائيل في كفرتبنيت، إلى متى سيستمرّ هذا النزف القاتل؟”.
لم تصدق أُم حسن أيوب أن رفيقة عمرها قضت في الغارة، تقف قبالة المنزل المدمّر حيث الجرافات تعمل على رفع الأنقاض، تبكي بحرقة، قائلة: “قبل نصف ساعة اتصلت بها، أتيت لأزورها ولكنني لم أجدها، ما زالت تحت الركام”. اعتادت أم حسن أن تزور زوجة شرف الدين يوميّاً في التوقيت الذي وقعت فيه الغارة، غير أن هذا اليوم (أمس) تأخرت، فنجت من الموت المحتّم.
إنه سيناريو صعب يعيشه أبناء منطقة النبطية الذين عايشوا الحرب بكل تفاصيلها، الغارات طالت المنازل والأحياء السكنية في كفرتبنيت، حتى البلدية لم تسلم منها، فالمنزل المستهدف محاذٍ مباشرة لها وللطريق العام.
يقول رئيس بلدية كفرتبنيت فؤاد ياسين إنّ “الإسرائيلي يواصل إمعانه في استهداف المدنيين”، لافتاً إلى أن المنزل المستهدف “مدني، مما يشكل خرقاً جديداً لاتفاق وقف إطلاق النار”. أضاف إن “توقيت الغارة تزامن مع حركة الناس، مما أدى إلى سقوط 18 جريحاً من أطفال ونساء وشباب، بعضهم في حالة خطرة كطفلة سورية صودف مرورها مع عائلتها وقت الغارة”.
كما أنّ الغارات لم تهدأ، فطالت مرتفعات إقليم التفاح وسجد والريحان، وشلت الحركة والحياة وساد الترقب، والسؤال الأكبر الذي راود الناس هو: هل دخلنا الحرب بشكل جدّي؟