IMLebanon

إحياء البحر الميت

البحر الميت يموت.. لقد خسر البحر حتى الآن ثلثي حجمه المائي خلال العقدين الأخيرين. وتراجعت شواطئه مسافة نص كيلومتر عما كانت قبل 50 عاماً.

هناك اسباب عديدة للموت «غير البطيء» الذي يتعرض له البحر. أهم هذه الاسباب إقدام المصانع والمزارع على تحويل مياه نهر الأردن واستخدامها في مشاريع زراعية وصناعية قبل أن تصل البقية الباقية من النهر (الذي ينبع من سوريا) الى البحر الميت. وتمتص هذه المشاريع ثلثي ثروة النهر المائية. أما شركات التعدين في الأردن واسرائيل فانها تتسبب في ضياع حوالي اربعين بالمائة من مياه البحر لاستخراج الفوسفات والمعادن الأخرى منها. ويتحمل التبخر مسؤولية ضياع القسم الأخير.

ونتيجة لذلك بدأت تظهر تشققات أرضية على طول ضفتي البحر لجهتي الأردن واسرائيل معاً. من هنا فان استمرار الوضع على ما هو الآن قد يؤدي الى نهاية البحر الميت الذي يقع في واد هو الأعمق في العالم عن سطح البحر.

ولإنقاذ البحر، أو لإعادة الحياة الى البحر الميت، يطرح الآن مشروع اردني – فلسطيني – اسرائيلي مشترك تبلغ تكاليفة مليار ومئة مليون دولار. وينص المشروع الذي وافقت عليه الدول الثلاث على ما يلي:

أولاً: جرّ مياه البحر الأحمر الى البحر الميت.

ثانياً: إقامة محطة لتكرير مياه البحر في العقبة في جنوب الأردن لتزويد كل من الأردن وفلسطين واسرائيل بالمياه الصالحة للشرب والري. ولكن نظراً لارتفاع تكاليف جرّ مياه الشرب من العقبة الى فلسطين (الضفة الغربية) فان اسرائيل تجري اتفاقاً مع السلطة الفلسطينية لمقايضة حصتها من مياه محطة العقبة (باستخدامها في النقب) بكمية موازية من المياه التي تتولى اسرائيل تحليتها من مياه البحر المتوسط.

ثالثاً: ضخّ كميات كبيرة من مياه البحر الأحمر الى البحر الميت عبر أنابيت كبيرة، ابتداء من العقبة. وعندما تصل هذه المياه الى مشارف البحر الميت تكون على ارتفاع 430 متراً من سطحه (وفي الواقع فانها تكون على ارتفاع 200 متر عن سطح البحار الأخرى) وهذا الارتفاع كاف لاستغلال تدفق المياه المسحوبة من البحر الأحمر لتوليد طاقة كهربائية وهي في انحدارها القوي نحو البحر الميت. وبذلك يستفاد من عملية ضخ المياه في التحلية ( للشرب والزراعة) وفي توليد الكهرباء التي يحتاج اليها الأردن وفلسطين واسرائيل ايضاً.

ولكن لا بد هنا من طرح ثلاث علامات استفهام كبيرة هي: أولاً من ينفذ هذا المشروع الكبير: جرّ المياه – إقامة محطات التحلية – ومحطات توليد الطاقة؟ وثانياً: من يموّل هذا المشروع الذي تزيد كلفته على المليار دولار؟ وثالثاً: هل تسمح المعادلة السياسية في ضوء استمرار القضية الفلسطينية دون حلّ عادل بتحقيق مشروع مشترك تكون فيه فلسطين واسرائيل مع الأردن أطرافاً متعاونة ومتضامنة؟

للإجابة عن السؤال الأول يشار الى ان الأردن كان أعلن في شهر تشرين الثاني الماضي (2016) ان خمس شركات دولية (كونسورتيوم) تأهلت للمشاركة في مناقصة عالمية من أجل تنفيذ المشروع. وان بداية العمل ستكون في العام المقبل 2018 ويفترض ان يكتمل العمل فيه في عام 2021.

وللإجابة عن السؤال الثاني، فإن الأردن واسرائيل يعملان معاً لإيجاد الممولين ويبدو انهما نجحا في تأمين التزامات بمنح تقدر بحوالى 400 مليون دولار حتى الآن.. ومن الدول المانحة اليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

أما الإجابة عن السؤال الثالث فهي الاصعب. تؤكد ذلك الضجة التي انفجرت في وجه الحكومة الأردنية عندما عقدت اتفاقية لاستيراد الغاز من اسرائيل بقيمة 10 مليار دولار ولمدة 15 عاماً. وذلك رغم اتفاقية السلام المعقودة بينهما في عام 1994 (وادي عربة). ولكن اذا كانت فلسطين جزءاً من مشروع البحر الأحمر – البحر الميت.. فهل ان ذلك يخفف من رد الفعل السلبي؟

ظاهرياً يبدو المشروع والمشاركة الفلسطينية فيه مثل وضع العربة أمام الحصان، وليس العكس. فكيف تكون فلسطين جزءاً من مشروع في هذا الحجم واسرائيل ترفض الاعتراف بها (بعد ان كانت فلسطين هي التي ترفض الاعتراف باسرائيل!)

لذا التساؤل هل يؤدي إحياء البحر الميت الى إحياء التسوية السياسية الميتة بما يكرس الحق الفلسطيني في دولة ذات سيادة قادرة على عقد اتفاقيات مشتركة مع دولة مجاورة.. وجائرة؟

الواضح ان الأردن لن يقبل أن يكون شريكاً مع اسرائيل في مشروع يستبعد فلسطين كشريك أساس.

والواضح كذلك ان الدول الداعمة للمشروع سوف تجد في المشاركة الفلسطينية قاعدة ومدخلاً لتسوية سياسية شاملة.. اما اذا استبعدت التسوية السياسية فإن المشروع سوف يبقى حبراً على ورق حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

فالمشروع ليس ابن اليوم. لقد طرح للمرة الأولى في القرن التاسع عشر عندما كانت اسرائيل حلماً صهيونياً، كما طرح في ظل الاحتلال البريطاني (الانتداب) لفلسطين الذي استمر من عام 1920 حتى 1948.

ولكن طرحه هذه المرة قد يتعدى مردوداته الاقتصادية والاجتماعية ليصبح، ربما، ركيزة لتسوية تعيد الحياة ليس فقط الى المشروع.. بل الى التسوية السياسية.