IMLebanon

الحاكم رياض سلامة… صامد مهما طال الزمن  

 

 

أثار قرار مجلس شورى الدولة الإعدادي المؤقت، الذي قضى بوقف التعميم الأساسي الصادر من مصرف لبنان ووقف التسديد البدلي بالليرة اللبنانية وفق سعر 3900 ل.ل. للحساب المفتوح بالدولار لغطاً كبيراً. هذا القرار الذي أصدره مجلس شورى الدولة في 31 أيار 2021. بناء على الطعن المقدّم من المتخصّص بالرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة لها، المحامي باسكال فؤاد ضاهر، والمحاميين شربل شبير وجيسيكا القصيفي.

 

قرار مجلس الشورى، أثار – ولا شك – بلبلة كبيرة كما ذكرنا… فلم يتمكن المودع في البداية من تحديد ما إذا كان القرار لصالحه بهدف الحفاظ على قيمة وديعته أو العكس… أم يحزن متخوّفاً أن يعود الزمن بالمركزي والمصارف الى الـ1507 ليرات.

 

وكان سلامة قد أصدر التعميم الذي يحمل الرقم 151 الذي يسمح بموجبه للمودعين بسحب أموالهم من حساباتهم بالدولار على سعر 3900… وبعد قرار مجلس شورى الدولة برز تخوّف المودعين من إجبارهم على سحب ودائعهم بسعر 1507.

 

لقد أعلن مصرف لبنان في بيان للمصارف العامة في لبنان انه «بعد أن تبلّغ القرار الإعدادي لمجلس شورى الدولة، قرّر تعليق العمل بالتعميم رقم 151 استناداً للقرار الإعدادي الصادر عن مجلس شورى الدولة».

 

وأعلن حاكم مصرف لبنان أنه نظراً لأهمية التعميم 151 للاستقرار الاجتماعي ولتنشيط الحركة الاقتصادية، سيتقدّم بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة كي يعيد النظر بالقرار المتخذ. وهنا تبرز – وفي خِضَمّ الأزمات المتلاحقة – أهمية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

 

فمنذ مدة طويلة قبل 17 تشرين الأول 2019، أي قبل الثورة بسنوات، وحاكم مصرف لبنان يحذّر وينبّه ويدعو الى حلّ المشاكل السياسية، محذراً من أنّ الخلافات السياسية تنعكس على الاقتصاد بل هي تدمّره حتماً.

 

لقد قال لي مصرفي كبير، منذ سنوات: إنّ الأزمة المالية لا يستطيع أحد في العالم حلّها غير الحاكم رياض سلامة. أضاف المصرفي الكبير: ان سلامة الذي استطاع المحافظة على استقرار العملة اللبنانية طيلة هذه المدة الطويلة وسط استقرار نقدي منذ العام 1993، قادر على حلّ كل المشاكل بحكمة ورويّة ودراية.

 

فودائع البنوك، حين تسلّم سلامة رئاسة البنك المركزي عام 1993، كانت تقدّر بأربعة مليارات دولار وصلت بعد ذلك الى 200 مليار دولار.. ورغم تقلّب سعر صرف الدولار، كان أوّل عمل قام به سلامة، هو تثبيت سعر صرف الدولار، ما أراح المواطن والموظف، ونزع عنهما «القلق» الذي رسم حياتهما باضطراب نفسي كاد يكون قاتلاً.

 

إنّ ما قام به سلامة خلال 29 عاماً… يكاد يبلغ حد المعجزة… وللتأكيد فقط… نذكّر ببعض الأحداث التي تعرّض لها لبنان خلال هذه السنوات الطوال:

 

أولاً: حرب 1996 ومجزرة قانا في 18 نيسان وحرب الـ2006…

 

ثانياً: تعطيل تشكيل كل حكومة منذ العام 2005 أي منذ اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري بدءاً بسنة كاملة لأنّ الصهر العزيز «يقبل ولا يقبل»، ويشترط ويجب تنفيذ شروطه لعيون الجنرال.

 

ثالثاً: وسنة كاملة تعطيل لانتخابات ميشال سليمان وعامان ونصف عام تعطيل لانتخاب ميشال عون.

 

رابعاً: إقفال المجلس.

 

خامساً: محاصرة السرايا لمدة سنة، وبقاء الرئيس فؤاد السنيورة ثابتاً في موقعه في السرايا.

 

سادساً: في بداية الثورة استقال الرئيس سعد الحريري وتشكلت حكومة برئاسة الرئيس حسان دياب، فكان القرار الاول الذي اتخذته حكومته التمنّع عن دفع سندات اليورو بوند، حيث كان هذا القرار كما يقول المثل «القشّة التي قصمت ظهر البعير»، حيث قلنا للعالم إننا «مفلسون» وأننا لا نسدّد ديوننا.

 

التاريخ لا يرحم، فعندما بدأ التعثّر في «البنوك» بعد الثورة، كان حاكم مصرف لبنان يقول: «المشكلة ليست عندي، بل إنّ المشكلة سياسية، وأكبر دليل على ذلك عدم تشكيل حكومة منذ 8 أشهر من تكليف الرئيس سعد الحريري».

 

والأنكى من ذلك أنّ الرئيس الحريري استطاع توظيف علاقته بفرنسا وتحديداً بالرئيس إيمانويل ماكرون، حيث عقد «مؤتمر باريس» في حضور 40 دولة ومؤسّسة مالية دولية وتقرّر فيه أن يُعْطى لبنان 12 مليار دولار شرط الإشراف على تنفيذ المشاريع، وبعد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وأهمّها الكهرباء. طبعاً «الصهر العزيز» أفشل كل المحاولات، لأنّ الكهرباء هي إرث ورثه عن أبيه، لا يُباع ولا يُشترى؛ وهكذا أُجْهِضَت الفرصة التاريخية لإنقاذ البلد.

 

إنّ التهجّم على رياض سلامة… عمل مشبوه وغير بريء… فالرجل أثبت جدارته… ولم يخطئ في حساباته، وتخطى كل الأزمات بثقة بالغة…

 

فهل يكافأُ هذا الرجل بمثل هذه المواقف غير البريئة والمتجنّية..؟

 

الأيام المقبلة… ستكشف بالتأكيد أنّ الحاكم رياض سلامة… ثابت وصامد مهما طال الزمن.