IMLebanon

الرياض لم توفر جهدا.. لكن المسألة ليست في يدها وحدها

الواضح، وبحسب ما تؤكده المعطيات المتوافرة، العلنية منها والمضمرة، فإن تعثر ولادة حكومة «العهد الجديد» الأولى، قبل ذكرى الاستقلال، كان متوقعاً، وهو كان نتيجة لمجموعة عوامل وأسباب تبدت في مواقف العديد من الأفرقاء السياسيين، وتحديداً «الوازنين منهم..» كما يمكن ان يكون سبباً لتطورات لاحقة، من دون ان يعني هذا ان وضع العصي في دواليب الحكومة العتيدة ومنعها من الانطلاق، احتمال مفتوح على مداه بانتظار تطورات او تغيرات في المشهدية السياسية الخارجية منها والداخلية..

وعلى رغم تأثير وفعالية دور المملكة العربية السعودية في الواقع اللبناني، فإن من المبالغة الرهان على ان زيارة موفدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة خالد الفيصل ووزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور نزار بن عبيد مدني الى بيروت لنقل دعوة رسمية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون لزيارة المملكة، ولقاء العديد من القيادات السياسية، سيكون كافياً لتبديل الصورة، حيث مسار تأليف الحكومة تعرض لأزمة أدت الى فرملة «الاندفاعة الايجابية» التي سادت على مدى أيام من تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة.

لقد أخذت المملكة على نفسها عهداً بأن لا تتدخل في صلب الأمور الداخلية للبنان، وهي التي لم تخفِ ولم تضمر سوى الرغبة في انطلاقة هذا البلد باتجاه الحلحلة الكاملة.. وتعرف ان الساحة الداخلية اللبنانية مليئة بالتناقضات الفاعلة امتداداً لمحوريات خارجية دولية وإقليمية..

لأوقات سابقة بعثت الرياض برسائل عدة الى الأفرقاء اللبنانيين خلاصتها التنبه لما يجري ولما يحاك في المحيط الاقليمي، ولن يكون لبنان بعيداً عن التداعيات وهي، أي المملكة، لاتزال متمسكة بخيار الدولة الواحدة، لا الدويلات، وبأن قرار السلم والحرب هو حصراً من حق الدولة اللبنانية وليس من حق أي فريق، كبر أم صغر، ان يحل محل الدولة، وينوب عن سائر الافرقاء في خرق هذا المبدأ.

بالطبع، لم ينل هذا الموقف المبدئي للمملكة قبولاً عند البعض، وفي اللحظات الحرجة «نأى لبنان بنفسه» عن اعلان الموقف المطلوب ازاء ما تعرضت له المواقع الديبلوماسية السعودية من اعتداءات في ايران، الأمر الذي ترك «غصة» وعدم رضى كثيرين، ولم يكن لدى الرياض من خيار سوى تجميد الهبات المالية التي قدمتها للبنان لتعزيز قدرات الجيش وقوى الأمن، ليكونا السلطة الأمنية – العسكرية التي على كاهلها تقوم مهمة مواجهة التحديات ابتداءً من الحدود الجنوبية مع الكيان الاسرائيلي الى كامل الحدود البرية مع سورية؟!

لم تقفل الرياض – على الرغم من الحملات القاسية التي تعرضت لها من «حزب الله – أبوابها نهائياً في أوجه اللبنانيين، وهي كانت تتابع بدقة يومية التطورات على أرض الواقع، لاسيما ما يتعلق بملء الشغور في سدة رئاسة الجمهورية لنحو سنتين ونصف السنة.. وقد انقسمت المتابعات السياسية على الساحة اللبنانية الداخلية. رئاسة يجري البحث عن «تسوية» تملأ فراغها المزمن وسط تعقيدات خارجية وداخلية لا يستهان بحجمها وتأثيراتها وتضارب مصالح الافرقاء النافذين الذي أدى الى قطع الطريق على أي حل.. وفي «اللحظة» إياها، عاد الرئيس سعد الحريري من خلال حراكه المتجدد، في اتجاه القيادات السياسية، مدعوماً من الخارج، وتكثفت الاتصالات في محاولة لاحداث خرق في جدار الأزمة السياسية – الرئاسية.. ولم يطل الوقت كثيراً حتى أفرج عن «التسوية» او «التوافق» على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية..

قد يكون من باب الغلو في المثالية القول، او الاعتقاد، بأن «التسوية» اياها عبرت من خلف ظهر الرياض، او حتى من خلف ظهر طهران.. خصوصاً، وأنه، وعلى مدى السنوات الماضية، كان عديدون يعلنون وبالفم الملآن: «لتتفق السعودية وايران، فيكون الشغور الرئاسي انتهى..».

لم تكتمل صورة المشهد نهائياً بعد.. ومطابخ تحضير التركيبة الحكومية العتيدة لم تتفق بعد على «التوليفة»، خلافاً لما كان يعتقد الرئيس المكلف سعد الحريري، وقد وجدها عديدون فرصة مؤاتية، لا تقدر بثمن، لاثبات الوجود.. والحديث عن الدخان الأبيض قبل ذكرى الاستقلال سرعان ما تبخر، والرئيس الحريري يعتصم بالصمت ويعض على الجرح، وهو يحسب ألف حساب لكل كلمة ولكل خطوة.. والجميع يدرك ان الوضع لا يحتمل شروطاً وشروطاً مقابلة ولا فيتوات وفيتوات مضادة، إلا اذا كان المقصود من وراء ذلك وضع العصي في عربة الحكومة ومنعها من الانطلاق.

من أسف، ان ما حصل كشف عن «لعبة مخفية» خلاصتها الافادة من هذه الفرصة بهدف اعادة تجميع القوى السياسية على خلفيات طائفية او مذهبية والجميع يشهد الحريق الذي يضرب المنطقة، ولم يبقَ لبنان بمنأى عن نيرانه إلا بفعل قرار دولي – إقليمي – عربي – داخلي (لبناني)، على خلفية ان لبنان لا يحتمل هذا الحريق، على ما دلت التجارب السابقة..

واللافت ان الأجواء الايجابية التي أشاعها الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري عن ان «الأمور المتعلقة بتشكيل الحكومة تسير بأجواء ايجابية، وبعض العقبات يتم تذليلها..» لم تصرف بعد، والبعض يعيد ذلك الى ان الرئيس بري ومن يؤازره يشترط الحصول على ضمانات من بينها المواقع الوزارية التي يصوب عليها، وأكثرها أهمية الانصراف الى درس واقرار «قانون جديد للانتخابات النيابية» أقله وفق صيغة الحل الوسط، الموزعة بين نصف نسبي ونصف أكثري.. وهكذا، ومع حضور الوفد السعودي، سيتطلع عديدون الى ما ستكون عليه النتيجة، وما اذا كان سينجح في «تنفيس التمثيل المنفوخ الذي يعطي أطرافاً سياسية أحجاماً لا تستحقها.. والحصول على ضمانات ما، بأن يبدأ لبنان مرحلة جديدة بالتعاطي مع «خطاب القسم» وما وفره هذا الخطاب من أرضية صالحة لاعادة الحياة لشرايين الدولة وسائر مؤسساتها، وبالتحديد العسكرية والأمنية منها.. خصوصاً وأن الرياض لم توفر جهداً في ابعاد لبنان عن حرائق المنطقة، لكن المسألة ليست بيدها وحدها..