IMLebanon

إنقسام حلفاء الرياض عشيّة الاستشارات انعكاس لقرار عدم المواجهة؟

 

السعوديّة تبحث عن تعزيز موقعها الإقليمي لتحسين “شروط” المقايضة

باريس تخشى من الرهان على الوقت: الأكلاف كبيرة أمنياً واقتصادياً

 

قرار “القوات اللبنانية” عدم تسمية احد لرئاسة الحكومة في الاستشارات النيابية الملزمة، يشير بوضوح الى ان المملكة العربية السعودية لم تتبن ترشيح نواف سلام، والا لكانت “معراب” رأس حربة في هذه المعركة، باعتبارها الممثل “الرسمي” للمملكة على الساحة اللبنانية. اما قرار النائب وليد جنبلاط فلا يعدو كونه مجرد “زكزكة” لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، المرجح ان ينال الاصوات الكافية للجمع بين تصريف الاعمال “والتكليف” الذي سيبقى الى اجل غير مسمى في “جيبه”، مع ترجيح عدم “ولادة” الحكومة العتيدة فيما تبقى من عهد الرئيس ميشال عون في ظل “كباش” سيكون مفتوحا على “ملء الفراغ” الرئاسي الذي ترتفع اسهمه ايضا في ظل عجز داخلي عن التوصل الى تسوية رئاسية، ودخول المنطقة في مرحلة “خلط اوراق” سيكون خلالها لبنان في ادنى سلم الاولويات، ينتظر تسويات صعبة طريقها حافلة بالالغام، دون ان يكون لدى احد تصور واضح حيال كيفية مقاربة التطورات السياسية والامنية في منطقة تعمها الفوضى من “اسرائيل” الى العراق وايران، مرورا بدمشق، وصولا الى السعودية التي تشق طريقها نحو تموضعات جديدة، وتحاول حجز مكان ارفع شانا، معوّلة على تداعيات الحرب الروسية على اوكرانيا، وحاجة الادارة الاميركية لها نفطيا لاعادة خلق توازن للاسواق العالمية، ولهذا تفضل تأجيل البحث في الملف اللبناني الى وقت آخر، طمعا بتحسين شروط “المقايضة” الذي تخشاه باريس.

 

فحالة الانتظار الراهنة، تفسرعدم وجود معركة جدية تخوضها القوى الخارجية على اسم رئيس الحكومة العتيد، كما تقول اوساط معنية بهذا الملف، فباريس مع ابقاء القديم على قدمه لانه لا فائدة من خوض مواجهة مع احد في الوقت المستقطع قبل نهاية ولاية الرئيس عون، والآمال ضئيلة جدا في “قصر الصنوبر” بامكان تشكيل حكومة جديدة في الاشهر الاربعة المتبقية، ولهذا تحاول باريس العمل انطلاقا من التوازنات الحالية، وتخشى من نتائج سلبية للقرار الاميركي – السعودي بركن الملف اللبناني على “الرف”، بانتظار الاستحقاق الاهم، الانتخابات الرئاسية..

 

سعوديا، لا شيء تغير ايضا، فقرار عدم خوض المملكة معركة استعادة التوازنات من “البوابة” السنية بعنوانها الاساسي المتمثل برئاسة الحكومة، لا يزال على حاله، فلبنان لم يرتق بعد الى منزلة ساحة “للكباش”، ولا يزال ملفا ثانويا حتى تتغير ظروف المنطقة، على الرغم من حراك السفير السعودي الوليد البخاري الذي يبقى في اطار “انا اتحرك يعني انا موجود”، خصوصا بعدما جاءت نتائج الانتخابات النيابية مخيبة لآمال المملكة، والآن جل ما يفعله البخاري محاولة تهيئة الارضية الصالحة كي تكون الرياض على “الطاولة” عندما يبدأ الحديث الجدي حول الاستحقاق الرئاسي، الذي سيكون منطلقا لمرحلة جديدة في البلاد، كما يعتقد السعوديون الذين يديرون الآن محاولة هي الاكثر جدية لتحسين موقعهم كلاعب رئيسي في الاقليم.

 

وفي هذا السياق، تحذر اوساط ديبلوماسية اوروبية من مغبة الرهان السعودي على “لعبة الوقت”، لان بقاء لبنان على “رصيف الانتظار” لمدة طويلة ، سيكون له اكلافه الاقتصادية والامنية غير القابلة للحصر، “فالرافعة” الفرنسية للملف اللبناني تعطلت على نحو مثير للقلق، بعدما تلقى الرئيس الفرنسي “صفعة” برلمانية ستشل حركته السياسية الداخلية والخارجية، وهكذا سيخسر لبنان “حاضنة” مهمة تؤدي دور خلق التوازن الدقيق بين السعوديين والايرانيين، مع وجود علامات استفهام سعودية حيال التقارب المعلن بين باريس وحزب الله، ولهذا يشعر السعوديون بنوع من الراحة الآن لاعتقادهم ان الدور الفرنسي سيتراجع حكما، ما يمنحهم فرصة اكبر للتقدم، خصوصا اذا نجح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في اعادة تعويم نفسه اميركيا خلال جولة بايدن المقررة الشهرالمقبل، وهو بدأ رسم حدود مصالح بلاده في زيارته الى القاهرة وعمان وانقرة.

 

ووفقا للمصادر نفسها، فان السؤال الاهم الذي سيحدد ثقل وجود لبنان على “الطاولة” من عدمه، هو ما الذي سيقدمه هذا البلد للسعودية من مصالح؟ فاذا كانت ايران نجحت في “الاستثمار” بحزب الله الذي بات رقما “صعبا” في لبنان والمنطقة في مواجهة “اسرائيل”، وكذلك المشاريع الاميركية في المنطقة، فان الرياض لا تملك اي شيء تستثمر فيه على الساحة اللبنانية يمكن ان يكون “اداة” تفاوض مع الايرانيين، الذين يشعرون بالتقدم النوعي على هذه الساحة، ولهذا بات لدى السعوديين قناعة بان لبنان ساحة اشتباك ايراني- اميركي بفعل اهتمام واشنطن بمصالح “اسرائيل” الاستراتيجية، ولهذا يفضل السعوديون الابتعاد قدر الامكان عن “صداع” لا يحقق لهم اي فوائد تكتيكية او استراتيجية راهنا، بانتظار تحولات تعيدهم الى هذه الساحة من “بوابة” المقايضة مع الاميركيين على ساحات اخرى.

 

وهكذا، يستغل ابن سلمان الانهيار الاقتصادي في مصر، والاردن، وتركيا لمد نفوذه، وهو يحصل في المقابل على اقرار بثقل وزنه الاقليمي، وهو امر غير متاح في لبنان. لكن ووفقا للمعلومات، ما يقلق ولي العهد السعودي حتى الآن، عدم وضوح خطوة واشنطن التالية، وكيفية تعاملها مع ايران اذا فشلت الجهود لاعادة احياء الاتفاق النووي، والآن يطالب بثمن واضح مقابل التجاوب مع طلبات الادارة الاميركية بزيادة انتاج النفط لتهدئة جنون الاسعار بفعل المواجهة العسكرية المفتوحة على الاراضي الاوروبية.

 

واذا كان الرئيس الاميركي الذي وعد بتقديم شروحات كافية حول هذا الملف، فانها لن تتعدى، بحسب اوساط مطلعة، مواصلة الضغط الاقتصادي على إيران وتطبيق اقسى للعقوبات، يبقى الرهان الاكثر خطورة، التسويق “الاسرائيلي” لطرح اميركي لبناء تحالف إقليمي ضد إيران، من خلال “اقناع” دول الخليج بدمج جميع أنظمة دفاعها الجوي والصاروخي مع “إسرائيل”، لمواجهة المخاطر الايرانية الصاروخية وسلاح “المسيّرات”، واذا حصل هذا الامر تكون المنطقة قد دخلت طورا جديدا من الصراع الذي سيكون له تداعيات خطرة، ولن يكون لبنان بمنأى عنها. ولهذا تسعى باريس “المريضة” الى ايجاد مقاربات تسووية تجنب الساحة اللبنانية اي تداعيات مرتقبة في المنطقة، بينما يفضل السعوديون ابقاء الامورعلى حالها، ولا يمانع الاميركيون ذلك، ريثما يتبلور الحراك الديبلوماسي في المنطقة، فهم يشعرون بان مكانتهم ستصبح افضل بكثير مما عليه اليوم، وربما يستطيعون الاستفادة من لبنان “كورقة” للمقايضة، وليس لتعزيز النفوذ، وهو ما يرفض الايرانيون الاذعان له حتى الآن!