IMLebanon

روحاني يهددهم بالاستفتاء

 مرت إلى الآن سنة ونصف السنة من ولاية الرئيس الايراني حسن روحاني من اصل اربع سنوات. حاول خلالها تقديم صورة مختلفة عن تلك التي عرفتها ايران ايام سلفه محمود احمدي نجاد. صورة بلد قابل للانفتاح على جواره وعلى الدول الاخرى، الغربية منها على الأخص، ومستعد للالتزام بالقوانين الدولية، وللتعامل مع التناقضات والخلافات الموروثة في الداخل، بطريقة تحترم الحق في الاختلاف وتعدد وجهات النظر. باختصار، أراد روحاني لبلاده أن تكون دولة «عصرية»، نضجت بعدما بلغت عمرها الخامس والثلاثين منذ الثورة، وصار بامكان مؤسساتها السياسية ان تعمل بالطريقة السلسة والطبيعية التي تعمل بها مؤسسات الدول الاخرى.

في هذا السياق يمكن ان يوضع التصريح الاخير الذي اطلقه روحاني في خطابه امام المؤتمر الاقتصادي في طهران، ودعا فيه الى تطبيق مادة في الدستور الايراني الذي وضع عام 1979، «لم يعمل بها حتى الآن»، كما قال، وتنص على حق السلطة التنفيذية في طرح المسائل الاساسية التي تهم حياة الناس على استفتاء شعبي، بدل احالتها الى مجلس الشورى لمناقشتها واقرارها.

ولا يمكن فهم خطوة كهذه سوى في اطار الصراع الذي ما زال يخوضه الرئيس الايراني مع المعارضين الداخليين لنهجه الانفتاحي، الذين يعتبرون ان الضرر الذي يمكن أن يلحق بالثورة الايرانية، نتيجة ما يرون انها تنازلات لمصلحة الغرب، هو اكبر من الفوائد التي تجنيها ايران من تحسين علاقاتها مع العالم. اذ ما هي الحاجة الى الاستفتاء اذا كان روحاني يتوقع ان تصويت مجلس الشورى سيكون الى جانب القرارات التي تتخذها حكومته؟ لذلك يلوّح الرئيس الايراني بهذه الورقة، او «يهدد بها» حسب التعبير الذي استخدمته صحيفة «فايننشال تايمز»، في وجه التيار المحافظ الذي يعتبر نفسه اميناً على ارث الثورة، والذي لا تزال سيطرته كبيرة داخل مجلس الشورى و «الحرس الثوري» وسائر المؤسسات التي لا تخضع للسلطة المباشرة للرئيس. وقد وجد روحاني ان السبيل الوحيد لمواجهة هؤلاء هو من خلال العودة الى الشعب، انطلاقاً من القناعة ان المزاج العام في ايران بات اكثر ليبرالية مما تعبر عنه الاصوات المتشددة والمحافظة.

هذا الصراع الداخلي بين القوتين اللتين تشدّان المركب الايراني في اتجاهين مختلفين ليس جديداً. فقد واجه مثله الرئيسان هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. وحُسم الصراع بالطريقة المعروفة، لمصلحة التيار المتشدد، بعد التدخل المباشر للمرشد علي خامنئي. ومن البديهي ان روحاني يدرك ان كل القرارات المتعلقة بالشأن العام، ومن بينها ما يتصل بمصير المفاوضات النووية، هو في يد خامنئي في آخر الامر، مهما كانت نتيجة الاستفتاء الشعبي، اذا حصل. فهذه هي طبيعة النظام الايراني. ولهذا لم يكن صدفة ان المادة المتعلقة بالاستفتاء ظلت نائمة منذ وضعت نصوص الدستور بعد الثورة مباشرة، لأن نتيجته تبقى بلا معنى، طالما أن من الصعب تطبيقها اذا جاءت مخالفة لرغبة المرشد.

في القرار النووي، كما في الشأن الداخلي، يخوض روحاني معركة صعبة، ويحاول ان يدافع عن مواقفه وان يبرر خطواته بالتأكيد على أمانته لمبادئ الثورة. لو كان روحاني في وضع اكثر قوة لما كان في حاجة الى التأكيد على ان العزلة التي يريد لايران ان تخرج منها «لا تعني ان علينا أن نتخلى عن مبادئنا»، ولا على الاشارة الى ان هذه المبادئ لا ترتبط بأجهزة الطرد المركزي، «بل بقلوبنا وارادتنا»، بعد اتهامات المعارضين له بالتفريط بحقوق ايران في المفاوضات النووية.

خلال سنة ونصف السنة نجح روحاني الى حد ما في تلميع صورة ايران. لكنه لم يتمكن الى الآن من احداث اي تغيير حقيقي لا في الداخل ولا في الخارج. مير حسين موسوي ومهدي كروبي لا يزالان في الاقامة الجبرية على رغم وعود روحاني قبل الانتخابات. وقاسم سليماني لا يزال الحاكم الفعلي عندما يتعلق الامر بالسياسة الايرانية في سورية والعراق واليمن ولبنان. والمفاوضون في فيينا يتابعون ما يقوله خامنئي عن المسألة النووية اكثر مما يستمعون الى محمد جواد ظريف. الصورة لامعة ربما، لكن ايران، في داخل حدودها وخارجها، لم تتغير كثيراً عن ايران احمدي نجاد.