عاد الرئيس سعد الحريري لإحياء الذكرى العشرين لرحيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ١٤ شباط ٢٠٢٥، بل هي ذكرى باقية نابضة بالحياة في وجدان وقلوب اللبنانيين من مختلف الطوائف لما لهذا الرجل الإستثنائي في تاريخ لبنان من مكانة وطنية وعربية ودولية غير مسبوقة ولن تتكرّر.
لقد كان رفيق الحريري نموذجاً فوق العادة للمحبة والسلام، ولباني الدولة بعد الحرب الأهلية التي استمرت لخمسة عشر عاماً، والحروب الإسرائيلية المدمِّرة في الجنوب وباقي المناطق اللبنانية، وحروب الآخرين على أرض لبنان. كان رفيق الحريري أو «السيد لبنان» علماً ثانياً في المحافل الدولية إلى جانب العلم الوطني للجمهورية اللبنانية، ومع ذلك كان دائماً ما يقول: «ما حدا أكبر من بلده».
قبل عامٍ في الذكرى التاسعة عشرة لرحيل الرفيق الكبير، كان المشهد السياسي اللبناني مغلقاً ومعقّداً مع سقوط جميع المبادرات والدعوات إلى الحوار لوضع حدٍّ للفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، وتشكيل حكومة إصلاحية لإنقاذ لبنان من الإنهيار الشامل الذي ضرب البلد ومؤسسات الدولة وحياة اللبنانيين. سقوط المبادرات الفرنسية الداعمة للحوار بين اللبنانيين واستحالته في غياب المشاركة الحقيقية من السُّنة بعد تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي، وفي ظل معارضة القوى المسيحية القوية في المجلس النيابي، تبعه فشل المجموعة الخماسية في إزالة العقبات الدستورية أو المصطنعة أمام إنجاز الإستحقاق الرئاسي بسبب التمسك بالمرشحين وعدم التوجه نحو الخيار الثالث لرئاسة الجمهورية. وما بعد طوفان الاقصى وجبهة الإسناد وإعلان الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، كانت الخشية من تداعيات الفرز السياسي والطائفي مع تصعيد العدوان الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية والتهجير للشعبين الفلسطيني واللبناني، وفي ظلّ التشتّت بين الكتل النيابيّة، خاصّةً في أوساط النواب السُّنة، وغياب نهج الإعتدال الوطني الكفيل وحده بإعادة التوازن والإستقرار إلى الحياة السياسية في لبنان.
إطلالة الرئيس سعد الحريري في العام الماضي كانت توحي بالأمل باقتراب عودته السياسية التي رحّب بها الرئيس بري قائلاً: «أهلاً وسهلاً بعودتك للعمل السياسي عندما تقرر». بادر الحريري إلى زيارة عين التينة.. الرئيس بري: أرى ضوءاً قوياً! فأجابه الحريري: «هذا ضوء المستقبل». واليوم يكبر الأمل بعودة الرئيس الحريري إلى العمل السياسي والوطني، ويسطع ضوء المستقبل مجدداً بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، كما في غزّة، وإنجاز الإستحقاق الرئاسي في ٩ كانون الثاني ٢٠٢٥ بالتوافق على انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وتكليف القاضي الدولي نواف سلام بتشكيل الحكومة العتيدة في العهد الجديد. وهذه مرحلة تتطلب التزام جميع الفرقاء والمكونات بخطاب القسم، فلا غالب ولا مغلوب، ولا عزل ولا كسر لأي مكون وطني في لبنان. وسيكون الرئيس المعتدل سعد الحريري أمام خطاب قسم جماهيري ومنتظر في ساحة الشهداء وأمام ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط ٢٠٢٥ ليقول: «لبنان أولاً ورفيق الحريري لن يتكرّر». وأن الحرب الأهلية التي أوقفها وأزال آثارها اتفاق الطائف والرئيس «رفيق الحريري» لن تتكرّر، فلا نعيد تدمير البلد بأيدينا بعدما عجز العدو الإسرائيلي عن تدمير وحدتنا الوطنية وأهلنا في الجنوب والبقاع والشمال وبيروت وجبل لبنان.
التضحيات كبيرة وعظيمة وآلاف الشهداء والجرحى والمباني والمنازل المهدّمة في الجنوب والضاحية وكل لبنان. والمهمّات القادمة صعبة وشاقّة، وطريق طويل لإعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإسرائيلية الهمجية، والنهوض بمؤسسات الدولة، وتعزيز حياة الأفراد ومقومات الصمود الاجتماعي، وإعادة أموال المودعين، ودعم القطاعات المنتجة، وتحقيق التنمية، وتطبيق القرارات الدولية، وانسحاب قوات الاحتلال من الجنوب، وتقوية الجيش وبسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية كما قال الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» من قصر بعبدا، وليعود لبنان كما أحبّ «رفيق الحريري» بلد الحضارة والثقافة والفنون والجمال وقبلة سياحيّة لامعة بين الشرق والغرب.
من بيروت أعلن الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» أنّه اتفق مع الرئيس جوزاف عون على عقد مؤتمر في باريس من أجل إعادة إعمار لبنان. نستذكر العلاقات الطيّبة والرائعة التي كانت تجمع بين بيروت وباريس والرياض والعواصم العربية والدولية في أيام رفيق الحريري التي لا تُنسى. في زمنه كان «البلد ماشي» كما كان يقول، وفي هذه الأيام الرئيس نبيه بري يقول: «البلد بدو يمشي». وغداً مع عودة الرئيس سعد الحريري وترقب الداخل والخارج لخطابه المنتظر، سيكون إعلانه الرجوع عن تعليق عمله السياسي إيذاناً بعودة المشاركة الفاعلة للمكونات الوطنية كافةً تحت سقف الدستور واتفاق الطائف، وعندها فقط سيكون «البلد مشى فعلاً» مع انطلاقة العهد الجديد.