IMLebanon

سلامة والمصارف: التصحيح نقدي ومرهون بالموازنة

 

أعلن وزير المالية علي حسن خليل أن الحكومة تسعى الى خفض ألف مليار ليرة من كلفة خدمة الدين العام، من خلال إصدار سندات خزينة بقيمة 11 ألف مليار ليرة بفائدة 1% بالتنسيق مع مصرف لبنان والمصارف. المشكلة أن المصارف مصرّة على أنها ليست مطلعة على الاقتراح، وهي – إلى جانب حاكم مصرف لبنان – تربط المشاركة بموازنة على «ذوقها» و«ذوق» سلامة، وبطوعية المشاركة، ما يثير المخاوف من أن الحاكم ينوي نقل عبء التصحيح من ميزانيات المصارف إلى ميزانيته

 

لم يقدّم وزير المالية علي حسن خليل، أي توضيحات إضافية على تصريحه المتعلق بإصدار سندات خزينة بقيمة 11 ألف مليار ليرة بفائدة 1% بالتنسيق مع مصرف لبنان والمصارف، علماً بأنه كشف في إحدى جلسات مجلس الوزراء المخصصة لمناقشة مشروع الموازنة عن تفاصيل مماثلة.

مصادر مطلعة أوضحت أن هناك تحضيرات لمثل هذه العملية منذ بضعة أشهر، وهو ما دفع رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه، إلى سؤال سلامة في اللقاء الشهري الأخير (24 نيسان 2019)، عن دقّة هذه التحضيرات لأن «الموضوع لم يناقش معنا من قبل أي جهة. أي إجراء قسري غير وارد لأنه يوقع البلد في Default (التخلف عن السداد)، والشيء الطبيعي أن تبنى الموازنة على خفض الإنفاق من جهة، وعلى وقف الهدر من جهة ثانية وليس على أي إجراءات ضريبية، فاللجوء إلى أي تدابير غير طبيعية سيكون غير مفيد ولا يعالج العجز بل يزيده كما تظهر كل التجارب».

يومها، أقرّ سلامة بأن هناك تصحيحاً نقدياً آتياً، إلا أنه قال إن «مصرف لبنان سيكون المحور الأساسي في التصحيح النقدي، وأن أحداً لن يفرض قسراً أي تدابير أو عمليات على السوق، وأي مشاركة ستكون إرادية وقرارها عائد لكل مصرف بعد الموازنة، كي لا يتكرّر ما حدث في باريس 2… أي إجراءات من خارج آليات السوق غير مطروحة وغير واردة وأن قواعد التعامل الدولية ستكون محترمة، وإلا انعكست على مجمل محافظ السندات».

في ضوء هذا الكلام، ولا سيما عن اعتبار التصحيح أمرا نقدياً يتحكّم فيه سلامة وحده، يبقى السيناريو الذي يتحدّث عنه خليل ناقصاً: فهل هذه العملية بقيمة 11 ألف مليار ليرة كافية لوضع الدين العام على مسار انحداري، أم أن المطلوب أن تكون لها تتمة في السنوات التالية حتى يكون لها أثر فعّال على نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي؟ إذا لم تتبلغ المصارف بهذا الإجراء بعد، فلماذا يقوم خليل بإعلانه في ما بات شبه أكيد أن تعمد المصارف إلى التفاوض سعياً لخفض حصّتها من الاكتتاب بسندات خزينة مخفضة الفوائد؟ لماذا الحديث عن عملية بالليرة اللبنانية فقط، فيما المشكلة الأساسية في الدين العام تكمن في سندات الدولار؟

ليكون هذا السيناريو مجدياً مالياً ونقدياً، لجهة أثره على مسار الدين العام، وعلى خلق مساحة مالية للخزينة تتيح لها الإنفاق على استثمارات تخلق فرصاً للعمل، وعلى عجز ميزان المدفوعات، يجب ألا يقلّ أجل السندات عن 10 سنوات، ويجب أن تكون الاكتتابات على أكثر من سنة واحدة، وأن تكون متنوّعة بالليرة والدولار، فهل توافق المصارف على عملية ستكبّدها نحو ربع أرباحها أم أن مصرف لبنان سيعوّض عليها؟

 

المصارف تريد من مصرف لبنان مواصلة تنفيذ الهندسات المالية

 

مصادر مصرفية تشير إلى أن المصارف ستعلق مشاركتها على الاكتتاب بسندات خزينة مخفضة الفائدة على أمرين: نتائج الموازنة، والتعويض الذي ستحصل عليه من مصرف لبنان مقابل مشاركتها. التلميح إلى التعويض يفسّر بأن المصارف تريد من مصرف لبنان مواصلة تنفيذ الهندسات المالية وشمولها الاكتتابات بالفائدة المخفضة لتعويض الأرباح الفائتة. ولهذا الأمر تداعياته على الكتلة النقدية التي سيخلقها مصرف لبنان من أجل تعويض الكلفة التي ستدفعها المصارف. إذ إن الهندسات ستخلق كمية كبيرة من الليرات التي ستدفع مصرف لبنان إلى امتصاصها تجنباً لضخّها في السوق وخلق المزيد من الطلب على الدولار وتقليص أثرها التضخمي. وهذا بدوره يعزّز فاعلية دوامة خلق النقد ويفاقم الأزمة المالية، فضلاً عن كلفتها الكبيرة على مصرف لبنان، وإلا لماذا ترضى المصارف بدفع ربع أرباحها على مدى أكثر من سنة؟

المشكلة بالنسبة لمصرف لبنان، أن الهدف هو إعادة تعزيز الثقة التي يمكن أن تعيد التدفقات الرأسمالية من الخارج إلى مستوى مقبول، فيعود نموّ الودائع إلى مستوى يمكنه أن يؤمّن الحاجات التمويلية بالدولار التي يمتصها مصرف لبنان ليعيد تكوين احتياطاته المالية الأجنبية المستنزفة والتي تراجعت من 34 مليار دولار إلى 31 مليار دولار في نهاية شباط 2019. لذا فإن تقليص مستوى الأهداف سيأتي على حساب ميزانية مصرف لبنان بما يمنع عدالة توزيع عبء التصحيح، وسيتم نقل الخسائر من الخزينة إلى موازنة مصرف لبنان التي لا تنشر (خلافاً للقانون).

 

 

إصدار متعثّر

في اللقاء الشهري الأخير بين المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قال الأخير إن المصرف سدّد نيابة عن الخزينة أصل وفوائد سندات اليوروبوندز التي استحقت في نيسان بقيمة 500 مليون دولار، وأنه عازم على تسديد السندات المستحقة في أيار بقيمة 600 مليون دولار. وبحسب مصرفيين مطلعين، فإن مصرف لبنان أقرض الخزينة هذه المبالغ على أن يستعيدها بعد إتمام إصدار اليوروبوندز الذي تحضّر له، والذي واجه مشكلة أساسية تتعلق بكيفية تمويل هذه السندات. إذ كان مطروحاً أن يقوم مصرف لبنان بتحرير شهادات إيداع بالدولار بقيمة 3 مليارات تحملها المصارف في محافظها، في مقابل أن تكتتب بهذه المبالغ بسندات اليوروبوندز، إلا أن المصارف راجعت مصرف لبنان الذي أبلغها أنه ليس في وارد القيام بهذا الأمر نظراً الى وجود حاجة كبيرة إلى الدولارات التي يملكها في بند الاحتياطات بالعملات الأجنبية. وتبيّن أن هذه الاحتياطات تراجعت في الفترة الماضية بوتيرة حادّة، وانخفضت من 34 مليار دولار في شباط 2018 إلى 31 مليار دولار في شباط 2019، أي إن تقلصها بنحو 3 مليارات دولار سيترك انطباعاً سلبياً على الثقة «المتدهورة» أصلاً، فيما هناك حاجة كبيرة لتحفيز التدفقات الرأسمالية من الخارج عبر تعزيز هذه الثقة. وتجدر الإشارة إلى أن الحاجة لإتمام هذا الإصدار تعدّ حيوية نظراً الى كون قيمة الاستحقاقات في هذه السنة تبلغ 5 مليارات دولار، منها أكثر من النصف أصل الدين والباقي فوائد مستحقة لحمَلة السندات.