لا أنسى منظر ذاك الشاب المدّعي امتهان مهنة الصحافة المتنقّل من شاشة إلى أخرى من زمن الحزب الأصفر يوم كان بعزّ قوّته، يُطرب المشاهد معلومات وأخباراً يزوّده بها مشغّلوه.
المهم أعلنَ الشاب ذو الشعر الأسود الداكن طبعاً مع صبغة شغل باكستان، وبلغة الواثق، أنه ممنوع أن تحصل “القوات اللبنانية” على وزارة سيادية ليكمل حديثه بالممنوعات…
مشهد آخر لمُتموضع في أحد الدكّانات التي تتعاطى السياسة، يُغدق علينا أطروحة مفادها “ما عنا مشكلة مع القوات مشكلتنا مع سمير جعجع”.
ومذّاك المشهد حتى اليوم مروراً بالشارع الغوغائي ذي الحنجرة التي تصدح “صهيوني صهيوني سمير جعجع صهيوني”، إلى أن استجرّ هذا الفريق حرباً واحتلالًا، فهام ناسه على وجوههم مهجرّين تائهين لا يعرفون وجهتهم إلى أن حطّوا رحالهم في أحياء وقرى معظم سكانها أنصار للصهيوني الذي لا حق له في وزارة دسمة كما يسمّونها أو رئاسة، ليفاجأ هؤلاء بالاحتضان والرقيّ واللياقة، وهكذا أمضوا إقامتهم في فترة الحرب الملعونة بكل مودّة وحسن استقبال.
حينها، بدأنا نسمع أصواتاً تهمس عن مزايا وصفات “القوات” وناسها… المهم أن جعجع المجرم والصهيوني لم يدافع يوماً عن نفسه فالرجل غير مُلزم ولا هو مضطرّ كي يدفع عنه الظلم لكونه من ممتهني معادلة “لا يصحّ إلا الصحيح ولو بعد حين”… رُبّ سائل ما مناسبة هذا الكلام.
والتساؤل هنا صحيح وفي موقعه وإليكم الأسباب الموجبة: لأنّ الظلم يوجع.
ولأن الظُلّام في وطني كثر ينتشرون في كل موقع ومنصب وبيت وهم أنزلوا بنا وباللبنانيين فقراً وتهجيراً وإفلاساً وبطالة… وحتى لا تتكرّر مآسٍ علّمت جراحها في عقولنا وأجسادنا… وكي لا يُظلم “جعجعٌ” آخر في الأزمنة المقبلة لمجرّد أن مجتمعاً أصابه مجنون أو أكثر مصاب بلوثة العظمة المدمّرة، وجدتها فرصة ودعوة لكل عاقل كي يستمهل الحكم المسبق على الآخرين، فيتلمّس ويتحقّق من أي معلومة قد ينجح أحد شذّاذ السياسة “الفجعانين” سلطة من زرعها في أوساطهم بحيث تنتشر التهمة لتصبح كالخبر المؤكّد وعلى ما قال الرحابنة “هدّتكم الإشاعات”.
لنصل إلى اللحظة… حيث تلقّى نواف سلام من الكتل النيابية مقترحاتها وهوية الداخلين إلى نادي أصحاب المعالي، ليفاجأ القاضي الدولي المكلّف بالتشكيل، بأسلوب جديد في التسمية من قبل حزب “القوات اللبنانية” حيث وصلته لائحة طويلة بأسماء أصحاب اختصاص كل واحد يتطابق مع الحقيبة المقترح تولّيها. وهذا نهج جديد لم يعتد عليه أصحاب الرئاسات…
في المقابل، تتشدّد كتل وأحزاب أخرى بحصر التسميات من دون ترك أي خيار للاختيار ومن هؤلاء الجماعة الصفراء حيث تعزّز مطالبها وكأنها تحصيل حاصل اسماً وحقيبة… ملحوظة أخيرة… هناك فارق كبير بين القاتل والمقاتل وهذا ما يمكن اكتشافه من خلال قراءة تاريخ الحرب اللبنانية، الأمر الذي يشفي كثيرين من هلوسات عاشت معهم بعدما زرعها في عقولهم ساسة غوغائيون.
نحن شعب بحاجة لتنقية ذاكرته قبل أن يحدّد خياراته السياسية.