IMLebanon

«بابا نويل» الروسي!

 

لا يضيّع وقته فلاديمير بوتين. ولا يسمح لنفسه بتضييع أي فرصة سانحة، ولا برفض أي «هديّة» يقدّمها إليه صاحب القرار الأميركي الجالس في البيت الأبيض أكان اسمه دونالد ترامب اليوم أو باراك أوباما بالأمس.

 

بل تراه على أهبة الاستعداد والتأهّب للانقضاض وتعبئة الفراغ. وتقديم نفسه بديلاً عن ضائع أو منسحب أو منكفئ! وفي يده (دائماً) ما يقدّمه للمحتاج! والمصدوم! أو الباحث عن تعويض عن خسارة تحقّقت أو آيلة إلى التحقّق!

 

وجعبته مليئة وتناسب كل مقام! كأنّه «بابا نويل» العالم الواقعي الراهن. ويعرف تماماً نوع الهديّة التي يقدّمها وإلى مَن يقدّمها في السياسة والمصالح والأدوار والتجارات والأسلحة و«النفوذ»!

 

كأنّه أول براغماتي شمولي! وأكثر تاجر مؤدلج!… قومي إحيائي على طريقته الخاصة. وهذه تعني مزاوجة مشروعه الصدامي الهجومي (حُكماً) الزاحف به بقبضة حديدية، مع مرونة رجل الأعمال الناجح الذي يشمّ من بعيد (وقريب) رائحة الصفقة الرابحة قبل أن يلتهمها!

 

قد يُسمَّى في العلم السياسي (والأخلاقي!) انتهازياً! وفي «العلم» النفوذي قنّاص فرص! وفي «العلم» المالي شبّيحاً درجة أولى! وفي علم المصالح تاجراً وشاطراً.. لكن ذلك كله وما هو أكثر منه (كأنّ يُوصف مثلاً بأنّه دموي وحشي وستاليني «مُحدَّث» وراهن) لا يعني له شيئاً طالما أنّه يصل إلى هدفه ويراكم إنجازات كبرى على طريق العودة إلى المحورية التي دفنتها نهايات الحرب الباردة. وإلى الثنائية القطبية التي حسمت الحرب العالمية الثانية، ورسمت «حدود» العالم على مدى نصف القرن الذي تلاها. والأهم من ذلك، طالما أنّ سعيه في الأرض لا يستند إلى مخزونه النووي بقدر ما يستند إلى «تعفّف» مزدوج: صيني في الشرق! وأميركي في الغرب!

 

باشر في سوريا ومنها، هواية بناء الجسور المربحة.. بل ربما «أيقظته» ليبيا قبل ذلك، وخصوصاً «الصدمة» التي أصيب بها جرّاء مقتل معمّر القذافي نتيجة ما يسمّيه إلى اليوم «خداع» الدول الغربية له! والذي كان كافياً بالنسبة إليه، كي ينتقل من صفوف المتفرّجين إلى صفوف المخرجين وصولاً إلى لعب دور المخرج الأول في بعض «المسرحيات» الدموية الراهنة وأولها «الحرب على الإرهاب»! وثانيها «شرعية» رئيس سوريا السابق بشار الأسد! وثالثها «حق الشعوب» في تقرير من يحكمها!

 

هو الوحيد (من وزنه) في عالم اليوم الذي يشعر بالارتياح في علاقته مع إسرائيل بالقدر نفسه (أو أقل قليلاً) لارتياحه في علاقته بإيران! والذي يستطيع أن يقفز في نهار واحد من أنقرة إلى القاهرة وأن يحظى في العاصمتين بوضعية الضيف العزيز، المرغوب «حضوره» بشغف أكيد! والذي يمكنه قبل ذلك أن يقول في قاعدة «حميميم» إنّه انتصر «على الإرهاب الداعشي»، ثم أن «يوافق» إسرائيل على أجندتها الخاصة بـ«الجماعات الإرهابية»! وأن يغضّ النظر ويتطلّع إلى الجهة الأخرى، كلّما عنَّ لها أن تقصف بالطيران الحربي تلك الجماعات أينما وُجدت في سوريا وعلى الطريق إلى لبنان.. والوحيد (من وزنه) الذي يمكنه أن يقول إن القرار الأميركي عن القدس هو شأن لا يخصّه، وفي الوقت نفسه يلتقط «الفرصة» ويركض إلى العرب والمسلمين عارضاً خدماته في.. سوريا! و«صداقته» ومتوجباتها السلاحية والسياحية والسياسية والمعنوية!

 

ظاهرة استثنائية فلاديمير بوتين. ولا يكفي لتفسيرها، ردّ الأمر إلى «حظّه» مع إدارتَين أميركيتين، سابقة قادها خبيث موصوف، وراهنة يقودها أهوج خطير!