IMLebanon

السعودية تشنّ حرباً على حزب الله

 

 

عندما كتبت ودعوت لمشاورات نيابية انطلاقا من الدستور اللبناني، ربما كنت متسرّعاً على أساس انتظار ما سيحصل مع الرئيس سعد الحريري، لكنني لم اكن متآمراً ولست متآمراً في شأن الدعوة لمشاورات نيابية لاختيار شخصية رئيس الحكومة الجديد.

تشن السعودية حرباً على حزب الله بشكل مباشر، ورغم اتهاماتها لإيران بالسيطرة على المنطقة ودول عربية، الا ان السعودية غير قادرة، رغم الدعم الأميركي والصهيوني على مواجهة الجمهورية الإيرانية، نظرا الى قوة ايران وقوة شعبها الذي يصل عدده الى 80 مليون نسمة، ونظرا الى مساحة ايران التي هي مليون و600 الف كيلومتر مربع، وبحجم قارة تمتد من أفغانستان حتى حدود دول الاتحاد السوفياتي سابقا.

ونظرا الى قوة ايران العسكرية، سواء عبر الجيش الإيراني النظامي، ام من خلال الحرس الثوري الإيراني، ام من حيث امتلاك ايران صواريخ بالستية واسلحة متقدمة، والاهم ان ايران لديها شجاعة القرار بسرعة لمواجهة أي عدوان عليها، او محاصرتها. فالثورة الإيرانية نشأت على التمرّد على النظام العالمي القائم على نفوذ اللوبي الصهيوني وعلى السياسة الأميركية التي تلحق الظلم بشعوب عديدة على الكرة الأرضية واهم ظلم ترتكبه السياسة الأميركية من خلال اللوبي الصهيوني وسياسة الإدارة الأميركية دعم الكيان الصهيوني في اغتصاب فلسطين ودعم المستوطنات في الضفة الغربية وتشريد الشعب الفلسطيني وتسليح إسرائيل بأحدث الأسلحة كي تشنّ الحروب والعدوان على الشعب العربي كله، إضافة الى قمع الشعب الفلسطيني وتشريده ومحاصرته وارتكاب المجازر في حقه.

وباتت أوروبا وأميركا وإسرائيل والسعودية تعلم تماما ان أي اعتداء على ايران سيشعل المنطقة من الشرق الأوسط الى الخليج، الى آسيا، ولذلك فالحرب على ايران ليست قرارا سهلاً امام الإدارة الأميركية او السعودية او إسرائيل.

تشنّ السعودية حربا على حزب الله في لبنان، ومنذ شهرين والوزير السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان يشنّ حملة إعلامية ونفسية يدعو فيها الشعب اللبناني على عدم السكوت عن حزب الله الذي اسماه حزب الشر والشيطان والإرهاب. ولم يردّ أحد عليه تحت عنوان الحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم اثارة أي طائفة في لبنان، وعدم الدخول في فتنة مذهبية في الداخل.

ثم انتقل وزير شؤون الخليج السعودي ثامر السبهان الى تحريض الحكومة اللبنانية على حزب الله وطرح السؤال التالي: كيف تسكت الحكومة اللبنانية عن حزب الله وهي رسالة مباشرة الى رئيس الحكومة اللبنانية الرئيس سعد الحريري ضد حزب الله. واذا كانت المقاومة لم تردّ على الوزير السبهان لنزع فتيل أي فتنة سنيّة – شيعية، فلم نسمع من تيار المستقبل او تجمع 14 آذار أي ردّ على الوزير السعودي السبهان، عندما قال ان ما يعلنه ليس من عنده ومن يعتبر ذلك يعيش في الوهم، وان احداثا خطيرة آتية على لبنان، وأضاف في تصريح آخر ان أمورا مذهلة ستحدث في لبنان في الأسابيع المقبلة.

ان خطوة السعودية باستدعاء الرئيس سعد الحريري الى الرياض واجباره على الاستقالة والقاء خطاب كتبه السعوديون، هو امر تفصيلي عند السعودية وشكلي، رغم انه إهانة كبيرة للشعب اللبناني وللدولة اللبنانية كلها. لكن بالنسبة الى السعودية نزعت صفة رئيس وزراء لبنان عن الرئيس سعد الحريري عبر استقالته، وفرضت عليه الإقامة الجبرية كمواطن سعودي، ولا أحد يعرف المدة التي سيبقى فيها الرئيس سعد الحريري قيد الإقامة الجبرية. انما السعودية التي تمنع الرئيس الحريري من ارسال عائلته، زوجته واطفاله الى فرنسا وتجبره على إبقاء عائلته في السعودية، انما هي تعلم تماما ان الرئيس سعد الحريري في ظل هذا الوضع، وان عاد الى لبنان فسيعلن استقالته ويعود الى السعودية، لان القرار السعودي هو اسقاط أي حكومة يشترك فيها وزراء يمثلون حزب الله، والخطة الأساسية لديها هي نزع الشرعية اللبنانية والرسمية عن سلاح حزب الله، خاصة وان رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون يعلن رسميا ان لبنان بحاجة الى سلاح حزب الله.

ان اكبر خطأ تاريخي حصل في لبنان، عندما تم تسليم عائلة الحريري لبنان عبر السلطة التنفيذية والسياسة الخارجية والداخلية على أساس نظرية عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السورية يومها سنة 1992، بأنه من الأفضل الغاء العائلات السنية التقليدية في لبنان من آل كرامي الى آل سلام الى آل الصلح والى كل العائلات السنيّة التقليدية وابدالها بشخصية سنيّة ليست تقليدية وليس وراءها شارع سنّي مثل العائلات السنيّة التقليدية.

ولا نقول نحن تهمة او تجريح او خيانة او قلة احترام اذا ذكرنا ان عائلة الحريري ذات تنشئة سعودية وتملك الجنسية السعودية واقامت ثروة كبيرة من خلال اعمالها في السعودية عبر التزام مقاولات كبيرة وتلزيم مشاريع لشركة عائلة الحريري وقرب عائلة الحريري من الامراء السعوديين والتنسيق معهم في كل المجالات ضمن استراتيجية وخطة المملكة السعودية على مستوى العالم العربي والإسلامي والدولي.

ونحن اذ نقول ذلك لا ننكر ان الرئيس الراحل الشهيد رفيق الحريري قام بأعمال باهرة في اعمار لبنان وبنى مشاريع كثيرة في لبنان، لكن الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما كان في الطائف اثناء صياغة الدستور اللبناني وقف قرب الرئيس الحسيني وأعطى ملاحظة في شأن صياغة الدستور اللبناني فيما كان السفير الأميركي ساترفيلد ضمن اجتماع صياغة دستور الطائف. فسأله الرئيس حسين الحسيني على أي أساس تتدخل هنا في صياغة الدستور اللبناني، فأجابه الرئيس الشهيد رفيق الحريري بأنه عضو في الوفد السعودي برئاسة الأمير سعود الفيصل، ولم يجب الرئيس حسين الحسيني على جواب الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

ثم عندما استلمت عائلة الحريري السلطة التنفيذية في لبنان والسياسة الداخلية وخاصة الخارجية قام البعض بتفسير ان الطائف تنفذه سوريا ولكن على قاعدة ان المقاومة في الجنوب هي ضمن النفوذ السوري – الإيراني، وان السلطة التنفيذية والسياسة والمشاريع والعلاقات الدولية هي ضمن النفوذ السعودي على أساس ان يحصل التوازن السوري – السعودي في لبنان من خلال المقاومة في الجنوب وحزب الله ومن خلال عائلة الحريري في السلطة السياسية والتنفيذية.

واذا كان الرئيس سعد الحريري قد تم استدعاؤه الى السعودية واجباره على الاستقالة فانه عندما كان رئيسا للحكومة اللبنانية لم يستطع إدارة أي جلسة للحكومة بسبب وضع البند الأول وهو شهود الزور ولم يكن مسموحا ان يدير جلسة مجلس الوزراء قبل بحث بند شهود الزور في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

ثم تم اجباره على الاستقالة وهو يجتمع مع الرئيس الأميركي الابن جورج بوش اثر استقالة ثلث الحكومة زائد واحد، والرئيس سعد الحريري كان في واشنطن.

وهكذا تم اقالة الرئيس سعد الحريري مرتين، مرة لبنانيا، والمرة الثانية هنا في السعودية عبر استدعائه واجباره على القاء بيان سعودي للاستقالة ووضعه في الإقامة الجبرية. لكن بين اقالة الرئيس سعد الحريري في المرة الأولى جاءت اقالته لبنانية، او شبه لبنانية، بينما اقالته الان في السعودية هي قرار سعودي مهين للبنان ومهين لرئيس وزراء لبنان ولكل الشعب اللبناني خاصة وان الرئيس سعد الحريري لا يملك حرية التحرك او محاورة رئيس الجمهورية على الهاتف او رئيس مجلس النواب او تيار المستقبل، لكن بالنسبة الى السعودية الأمر شكلي، فهي أقالته من منصب رئيس وزراء لبنان لنزع صفة رئيس حكومة لبنان عنه والتعاطي معه في السعودية على أساس انه مواطن سعودي يحمل الجنسية السعودية، وعلى هذا الأساس وضعته السلطات السعودية في الإقامة الجبرية.

انها خطوة في الجوهر الإقالة السعودية للرئيس سعد الحريري، لان السعودية اتخذت قرارا بسحب الشرعية الرسمية عن سلاح حزب الله، وهي لا تريد حكومة لبنانية يشترك فيها وزراء يمثلون حزب الله، والسعودية سواء عاد الرئيس سعد الحريري الى لبنان وقدم استقالته فهو سيعود الى السعودية، وفي كل الأحوال لن يستمر رئيسا للحكومة اللبنانية، لان السعودية قررت واتخذت قرارا بأن لا يكون هنالك حكومة في لبنان يتمثل فيها حزب الله اللبناني.

السعودية شنّت حربا شعواء على حزب الله، وقامت بوضع كل ثقلها ودفعت 200 مليار دولار الى الرئيس الأميركي ترامب تحت اطار صفقات وتجارة وتسلّح كي تشنّ الإدارة الأميركية والكونغرس الأميركي اكبر حملة على حزب الله، متهمة إياه بأنه حزب إرهابي وقامت الإدارة الأميركية والكونغرس بفرض عقوبات إضافية على حزب الله. وهنالك عقوبات آتية على الطريق تشمل شخصيات لبنانية وغيرها.

والسعودية بعد استقالة الرئيس سعد الحريري لن تسمح لأية أكثرية نيابية باختيار شخصية سنيّة خارج النفوذ السعودي ولن تسمح لاي شخصية سنية يتم تكليفها تشكيل الحكومة باشراك وزراء من حزب الله، لان القرار السعودي متفق مع الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية على نزع شرعية سلاح حزب الله.

ألم يقم الرئيس فؤاد السنيورة، عندما كان رئيسا للحكومة، واثر استقالة الوزراء الستة الشيعة من حكومته بالاستمرار في ترؤس واستمرار الحكومة رغم مخالفة الميثاق الوطني الذي يقول بالتعايش المشترك وقيام الحكومة على أساس هذا التعايش، الم يقم الرئيس فؤاد السنيورة وحكومته بإحالة المسؤولين في وزارة الاتصالات وغيرها الى المحاكمة لانهم سمحوا بمدّ خطوط سلكية تستعملها المقاومة كي لا يتم مراقبة اتصالات المقاومة في حربها ضد العدو الإسرائيلي.

وماذا كان موقف تيار المستقبل وحتى 14 اذار اثناء حرب عام 2006، والعدوان الإسرائيلي على لبنان، ولا نريد ماذا كان موقف الرئيس السنيورة وتيار المستقبل كي لا يتهمنا احد باثارة فتنة، وماذا كان موقف الملك السعودي الراحل عبدالله اثر اعتراض عناصر من حزب الله دورية إسرائيلية على الحدود مع فلسطين المحتلة، واصفا العملية بأنها مغامرة طائشة من قبل المقاومة وحزب الله.

السعودية اسقطت التسوية التي أتت بالرئيس العماد ميشال عون رغما عنها رئيسا للجمهورية، ثم وافقت على التسوية وجاء الرئيس سعد الحريري رئيسا للحكومة وألّف حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع بما فيهم وزراء حزب الله. لكن بعد ان قام حزب الله بالمساهمة الكبرى في اسقاط المؤامرة في سوريا وضرب داعش وجبهة النصرة والتكفيريين وعدم السماح باسقاط النظام السوري برئاسة الرئيس بشار الأسد، ثم دعم حزب الله بطريقة ما الوضع العراقي ضد داعش، ثم وقوفه الى جانب الشعب اليمني المظلوم إضافة الى دفاعه عن أكثرية شعب البحرين المظلوم أيضا، ثم مساعدة حماس والجهاد الإسلامي في غزة بايصال الصواريخ اليها عبر البحر الأحمر من ايران، وتعليم المجاهدين في غزة على حفر الانفاق ووضع الصواريخ تحت الأرض وكيفية اطلاقها مما جعل السعودية والكيان الصهيوني يعتبران حزب الله اصبح اكبر قوة خطراً على إسرائيل والسعودية، لانه لم يعد بحجم حزب سياسي في لبنان او جناح عسكري يقاتل إسرائيل بل اصبح قوة إقليمية تهدد السعودية بحد ذاتها، من خلال شعور اهل القطيف ومنطقة كبرى في السعودية بالتعاطف مع حزب الله ضد حكم آل سعود.

لذلك قررت السعودية الغاء الحكومة اللبنانية، والعمل عبر خطة سعودية – أميركية – إسرائيلية على اسقاط حكومة لبنان وعدم القبول بأية حكومة يشترك فيها وزراء حزب الله ولو طال الامر سنوات.

ورغم انني اؤمن بالوحدة الوطنية كاملة، واكثر من ذلك، اؤمن بوحدة الامة وشعبها الواحد في وجه إسرائيل ومن اجل قوة الامة وسيادتها على نفسها وشخصيتها وارضها، فانني أرى ان لبنان يجب ان يعمل بكل طاقته على الافراج عن الرئيس سعد الحريري، لكنني أقول انه لو سمحت السعودية بعودة الرئيس الحريري الى لبنان، فسيأتي ليوم واحد ويقدم استقالته ويعود الى السعودية، وانه لن يكون هنالك حكومة سياسية ذات وحدة وطنية من جديد في لبنان، عبر الخطة السعودية – الصهيونية – الأميركية.

والسعودية اسقطت التسوية في لبنان لان رئيس الجمهورية يقول بأن لبنان بحاجة الى سلاح المقاومة، ولان وزراء لبنانيين بدأوا بتطبيع العلاقة اللبنانية مع النظام السوري برئاسة الرئيس بشار الأسد، والرئيس سعد الحريري احترمه الجميع خلال سنة حكمه لانه كان معتدلاً جدا ويحافظ على التسوية السياسية ويتوافق مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ولا يهاجم سلاح المقاومة. الا ان الرئيس سعد الحريري، مهما كان معتدلاً فهو لا يستطيع الخروج من النفوذ السعودي لان الجزء الكبير من مصالحه وتنشئته وعلاقاته مع الامراء ومع النظام السعودي ذو حجم كبير بشكل اجبرته السعودية على الاستقالة ام لم تجبره فهو مضطر لتنفيذ الأوامر السعودية.

ونحن لا نشكك بلبنانيته، وايمانه بلبنان وبالوحدة الوطنية، ولكنني أحاول ان اصف الحقيقة كما اراها، وانني أرى الخطوة السعودية تجاه الرئيس سعد الحريري تفصيلاً عادياً، لان الخطة الكبرى هي ضرب حزب الله والمقاومة ومنع تشكيل حكومة تضم وزراء لحزب الله ونزع الشرعية عن سلاح المقاومة ضمن خطة أميركية – صهيونية – سعودية لن تسمح بقيام حكومة سياسية تضم وزراء من حزب الله بل قد يكون السماح سعوديا بحكومة تكنوقراط او حكومة حيادية.

وإزاء الوضع اللبناني الخطير وإزاء خلاف رأيي مع اكثرية اراء المسؤولين في لبنان والأحزاب والفاعليات السياسية، اصابني شعور بضرورة الصمت واصابني شعور بالسكوت في شأن موقف الدولة اللبنانية والأحزاب والجميع حول وضع الرئيس سعد الحريري وعودته الى لبنان او اجراء مشاورات نيابية او غيرها، ولن أتكلم بعد الان عن الدعوة لمشاورات نيابية يدعو اليها رئيس الجمهورية الى حين ظهور المعطيات التي تجعلني اعتبر قناعتي حقيقة فيما الأكثرية والمواقف السياسية تعتبر قناعتي خاطئة وربما اكثر من ذلك.