IMLebanon

«انتكاسة» سعودية لا تلغي المخاطر وعودة الحريري «اختبار اول»

«تعويم» «النأي» مستحيل… وحزب الله لن يناقش الا في بيروت…

 

اذا كانت الاطلالة الاعلامية لرئيس الحكومة سعد الحريري قد حسمت بالشكل والمضمون وجوده «مكرها» في السعودية بعد اجباره على الاستقالة، فان محاولة حرف الانظار عن «المأزق» السعودي من خلال اعادة «تعويم» نظرية «نأي» لبنان بنفسه عن ازمات المنطقة، كمدخل للتسوية الجديدة، لم تجد الصدى المطلوب في دوائر القرار في بيروت، فحزب الله لن يعطي جوابا على اي طرح لتعديل مبادىء التسوية القائمة حاليا، الا بعد عودة الرئيس الحريري الى بيروت، لان اي كلام صادر من الرياض لا يعتد به، وعندما يعود ويشرح دوافع استقالته لرئيس البلاد «يبنى على الشيء» مقتضاه…

هذه الثابتة المتوافق عليها مع بعبدا وعين التينة، اكدت عليها اوساط سياسية بارزة مقربة من الحزب، واشارت الى ان اي نقاش جدي لم يبدأ مع احد، وما صدر عن الحريري لم يكن نتيجة اي وساطة اقليمية او دولية، بل ضغط دولي واقليمي على الرياض اثمر خفضاً واضحاً لـ« سقف» طموحاتها، وسيؤدي في الساعات المقبلة للافراج عن رئيس الحكومة بعد ثبوت «تهمة» تقييدها لحريته، وهو ما المح اليه المتحدث باسم الامين العام للامم المتحدة الذي قال مساء امس «مشككا» بان ما من طريقة لتاكيد طبيعة وجود الحريري في السعودية.. كما اتخذ الاتحاد الاوروبي موقفا متقدما من خلال الاعلان عن ضرورة عودة الحريري الى لبنان، محذرا من التدخل السعودي في الشأن اللبناني..

في هذا الوقت اكد وزير الخارجية جبران باسيل ان عودة الحريري الى بيروت منتظرة الاربعاء على ابعد تقدير ليقرر عندها مسألة البت في الاستقالة، وسمعت اطرف سياسية فاعلة نصيحة من مسؤولين غربيين مفادها اذا كان خروج الحريري من السعودية اولوية فان عدم استقراره في بيروت اكثر اهمية، واذا كان لا بد من زيارة «خاطفة» لترتيب مسالة الاستقالة، فانه من الافضل ان يقود المفاوضات على «المعادلة» الجديدة من فرنسا، وبعد ان تتم التسوية بامكانه العودة «برضى» الجميع… وفي تلميح على ممارسة باريس ضغوطا على السعودية تحدثت الرئاسة الفرنسية مساء امس عن حصول بوادر «انفراج» بشأن لبنان بعد اعلان الحريري عزمه العودة، واكدت انها ستطرح مبادرات اخرى بالتعاون مع الامم المتحدة اذا لم تجد الازمة الحالية مخرجاً سريعاً…

وفي هذا السياق، دعت اوساط دبلوماسية في بيروت الى عدم الركون الى «هدوء» العاصفة السعودية، وبرأيها فان الاستعجال في البناء على النتائج حتى الان متسرع بعض الشيء، الثابت ان المملكة خسرت الجولة الاولى «وتعثرت»، لكن لا شيء يشير بعد الى تراجعها عن استراتيجية مواجهة حزب الله، وما يجري الان هو عملية اعادة تقويم لاسباب «التعثر» الذي ادى الى اختلال كبير في ادارة «الجولة الاولى»، ويبقى ترقب الخطوة التالية التي ستتظهر بشكل واضح بعد عودة الحريري الى بيروت، فهل يقود الحملة بتشدد اكبر ضد حزب الله من موقع اقوى بعد ان استعاد «زخم» شعبيته في الشارع السني؟ هل ستندفع المملكة لفرض عقوبات اقتصادية «خانقة» لتحميل حزب الله مسؤولية عدم نجاح شروط التسوية الجديدة؟ وذلك في تكرار «لنموذج» حصار قطر وذلك بعد فشلها في استدراج اسرائيل الى الحرب؟ وكذلك اخفاقها في توريط المخيمات الفلسطينية في اتون حرب جديدة… ام ستتاقلم مع الوقائع بانتظار نتائج الانتخابات؟ كلها خيارات مفتوحة على كل الاحتمالات، تقول تلك الاوساط..

 

الحريري تحت «الضغط»

 

هذه الاسئلة لا يملك الحريري اجابتها، لكنه ينتظر «الجديد» السعودي، وهو حتى مساء اول من امس لم يكن في اجواء الخطوات المقبلة، وما يدل على تخبط الاداء السعودي، ما تسرب من معلومات عن خفايا مقابلته امس الاول، وفي هذا السياق كشفت اوساط مطلعة ان حالة الوجوم والقلق عند الحريري لم تكن فقط بسبب الموقف الصعب الذي يمر به منذ اسبوع في الاقامة الجبرية في السعودية، فكل ما سبق شيء ومضمون ما طلب منه ان يقوله في المقابلة شيء آخر..مشاعر «صدمة» باستدعائه ثم اجباره على تلاوة بيان الاستقالة بما فيه من موقف لا يمت لقناعاته بشيء، عاد وتكرر امس الاول، عندما فوجىء بتعليمات جديدة تطلب منه «التهدئة» وعدم «التصعيد» والتراجع عن «السقف السياسي» العالي الذي استخدم يوم السبت الماضي، دون شرح الاسباب الموجبة لذلك، ودون اعطائه اي معطيات يمكن ان يبرر من خلالها هذا التراجع، وهذا ما ترك الحريري يظهر في حالة «انكسار»، فهو كان في حيرة من امره، ويحاول انتقاء كلماته بعناية كي لا يخرج هذه المرة عن «النص غير المكتوب»… وعندما استفسر عن طبيعة الموقف المستجد الذي سيدفعه الى عدم التصعيد مع حزب الله او عدم نعيه للتسوية، او عدم التأكيد ان لا عودة عن الاستقالة، او طرح شروط علنية تجعل العودة عنها تحتاج الى «معجزة»، وحتى مسألة «الغزل» برئيس الجمهورية، ابلغ من قبل وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان بان هذه التفاصيل «غير مهمة» في الوقت الراهن، الاهمية الان للتأكيد «انك حر، وتتمتع بعلاقات جيدة مع الامير محمد بن سلمان، وانك ستنزل الى بيروت قريبا جدا، دون الزام نفسك بموعد محدد، مع التأكيد على وجود «ظروف امنية» تدفعك الى دراسة الامر جيدا… مع ترك شروط العودة «مبهمة» والتشديد على عنوان «النأي» بالنفس، وكل ما عدا ذلك لا موانع محددة الا مسألة الحديث عن تحضير بهاء الحريري «للخلافة»، فكان الطلب واضحا بعد مقاربة هذا الملف لانه شديد «الحساسية»…

 

مصير تسوية «النأي بالنفس»

 

واذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون قد عبر عن ارتياحه لكلام الحريري حيال امكانية العودة عن الاستقالة، وعدم وأد التسوية، واستبشر خيرا حيال تأكيد عودته، فان مصير التسوية الجديدة يبقى معلقا، كما تؤكد أوساط مقربة من حزب الله، وهي تؤكد ان ما صدر من الرئيس الحريري من مواقف «منخفضة» التصعيد هي نتيجة التعثر في ادارة الازمة في السعودية، وهذا ما دفع بالمسؤولين السعوديين لايجاد «تخريجة» تخفف الضغط الدولي عن المملكة المحشورة بتهمة احتجاز الرئيس الحريري، لم تنجح طبعا في اقناع احد انها لم تكن تحتجزه، ولكنها اعلنت من خلاله انها «ستطلق» سراحه قريبا مع علمها المسبق ان الشروط المطروحة لاعادة احياء التسوية غير قابلة للتطبيق عمليا خصوصا ان رئيس الحكومة تبنى طوال عشرة اشهر استراتيجية «ربط النزاع» لتنظيم العلاقة مع حزب الله نتيجة قناعة راسخة بان ما يحصل في الاقليم اكبر بكثير من قدرة اللبنانيين على تجاوزه، واليوم لم تتغير موازين القوى، فكيف يمكن فرض معادلات جديدة غير واقعية؟

 

نصرالله «وخارطة الطريق»؟

 

لا جواب عند احد، لان النقاش لم يبدأ بعد، وفي هذا السياق تسخر تلك الاوساط من التحليلات التي افترضت ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قد قدم في خطابه الاخير «خارطة طريق» للتسوية مع السعوديين، وهي تؤكد انه لم يكن ابدا في هذا الوارد، كلامه للسعوديين عن طريقة حل المشكلة مع حزب الله وتاكيده ان المواجهة في سوريا في طريقها الى الافول، وغيرها من الملفات، كان توصيفا للوقائع، لا أكثر ولا أقل، قتال حزب الله في سوريا يحصل بالتنسيق مع الدولة السورية، وهو شرعي ولا نقاش حوله، ومسأ لة البقاء هناك لا علاقة له بأي تسوية مفترضة، وانما تتم مقاربته بانتفاء الحاجة الى هذا التواجد هناك… اما في الحرب اليمنية، وهي «بيت القصيد» بالنسبة الى السعوديين، فان السيد نصرالله كان حاسما بان الدعم الاعلامي والموقف السياسي لن يتغير «قيد انملة» وهي مسألة اخلاقية وانسانية تحتم الوقوف الى جانب شعب يتعرض «للابادة»، واذا كانت الضغوط الاميركية لم تخرج حزب الله من «الاقليم»، واسرائيل لم تستطع هزمه في العام 2006، فهل تعتقد السعودية انها قادرة على ذلك؟!

في الخلاصة، تؤكد تلك الاوساط ان «المشروع» السعودي لارباك الساحة اللبنانية تعرض لانتكاسة كبيرة، وأي نقاش اذا بدأ في بيروت سيكون مفتوحا الى «ما شاء الله» لان عنوان «النأي بالنفس» فضفاض للغاية وغير واقعي، وتجربة فاشلة تحاول السعودية اعادة انتاجها «باخراج» سيىء، وهذا يفضي الى ان البلاد ستتعايش مع حكومة تصريف اعمال حتى موعد الانتخابات النيابية… الا اذا كان للسعودية «رأي» آخر؟.

 

الراعي في السعودية

 

في هذا الوقت بدأ البطريرك بشارة الراعي زيارته الى السعودية وكان في استقباله في المطار، وزير الدولة لشؤون الخليج تامر السبهان، وهو التقى الجالية اللبنانية في المملكة امس، وسيلتقي اليوم الملك سلمان بن عبد العزيز، ومن المفترض ان يزوره الرئيس الحريري في مقر اقامته، وقد اعلن الراعي ان علاقات الصداقة بين لبنان والمملكة متجذرة في التاريخ، مؤكدا انه سيشكر الملك وولي العهد على حسن استقبال اللبنانيين.