IMLebanon

شيزوفرينيا” السياسة اللبنانية

 

للنقل التلفزيوني المباشر فوائده . في لبنان، اعتاد المواطن مشاهدة أعضاء المجلس النيابي وهم يتحدثون مباشرة عبر الشاشة . يحصل ذلك في جلسات مفتوحة في مناسبات محددة ، منها جلسة مناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة وجلسات مناقشة الموازنة العامة التي تعرضها الحكومة على المجلس.

 

 

في المناسبتين، يحرص النواب على تحضير خطابات تتوجه الى الجالسين في منازلهم، أكثر مما تتوجه الى زملائهم الحاضرين في القاعة، الهدف منها إثبات الحضور عبر الاستجابة إلى هواجس واعتراضات واحتجاجات مواطنين اعتادوا الانتقاد، إلا أنهم يعيدون إنتاج ممثلين لهم لا يختلفون في الوجهة والتوجهات ولا في الهموم والاهتمامات.

 

يجد النائب ذاته ، لدى مناقشة بيان الحكومة الجديدة ، محكوماً بتوجيه الملاحظات والانتقادات التي تذهب بعيداً في الماضي لتتوجس من المستقبل. لكن النائب هذا، ينتمي في أغلب الأحيان الى زعيم كتلة نيابية حدد ممثليه في الحكومة، وسطر لهم ما يريد من نصوص سترد في بيانها. وقبل ذلك، يستهلك ذاك الزعيم مع قلة من زعماء “عائلات” نيابية مماثلة شهوراُ وأسابيع في جدل الحصص والمحاصصة داخل المولود الحكومي، بحيث يأتي نص هذا المولود خلاصة مكتوبة على قياس الحصص التي انتزعها زعماء الـ “كارتيلات” والعائلات الممسكة بالسوق الوطني .

 

عملياً، يفترض بالنائب المعني، الملتحق بهؤلاء القادة أن يصمت ويوافق على ما توصلوا اليه وأقروه، إلا أن الحاجة والرغبة في تبرير الذات وإثبات الحضور تجعله يعد خطاباً نقيضاً، يسمح به الزعيم الى حدود النقطة الأخيرة الحاسمة : نعم أم لا!

 

زعيم الكتلة النيابية يحتاج صوتاً لا أكثر. وفي لبنان نحو سبعة رؤساء كتل يكفي توافقهم لينعم البلد كله بوفاق لا يزعجه التلفزيون. ما يجري في حفلة تنصيب الحكومة، يجري مثله في حفلة نقاش الموازنة العامة. هنا، تتوفر مواد إضافية للكلام، وتذوب المسافة بين سلطة تنفيذية واُخرى تشريعية، فيدلي الوزير المسؤول بكلام يفترض أن يتفوه به النائب، وربما ينافس النائب الوزير المعني في الدفاع عن مقترح حكومي . وللحظات، وكما في حال تقديم الحكومة إلى النواب لنيل ثقتهم، ينسى الخطيب النائب أن ممثلي كتلته شاركوا في إعداد المشروع المالي وأقروه الى جانب أقرانهم من ممثلي الـ”سبعة”، فيبدأ صولات وجولات لا يفهم هل هي موجهة ضد زعيمه أو ضد كتلته، الهدف منها كسب ود رأي عام بات إلى حد بعيد خارج اللعبة.

 

إنها “شيزوفرينيا” السلطة والحياة السياسية في لبنان، وهي مرض ينخر النظام السياسي في مجمله، وتعانيه قوى سياسية أساسية. فعندما تصبح طريق القدس تمر من حلب، وبرنامج قيام الدولة رهن موافقة الميليشيات، والنمو الاقتصادي شرطه ضمان الحصص الشخصية، لا غرابة في أن يقول النائب شيئاً ويصل إلى عكسه، فزعيمه فعلها وفاز بقصب السباق…