IMLebanon

الفتنة والأبواب المفتوحة

ميرفت سيوفي- 

 

لا يحتمل لبنان التوتّر الذي عاشه بالأمس خصوصاً أنّ هناك من هو مصرّ على تعبئة «زمبرك» الفتنة وإطلاقها متنقّلة في جميع مناطق لبنان، وصحيح بكلّ تأكيد أن ليس هناك مناطق ممنوعة على أي لبناني، لكن وبنفس القدر على أي سياسي أن يكون مدركاً لمحاذير إيقاظ «الفتنة» النصف نائمة دائماً في لبنان، بأمانة لم أستطع أن أفهم أبداً دواعي إصرار وزير الخارجيّة جبران باسيل على زيارة منطقة تحمل الكثير من الذكريات السوداء والدمويّة والتي وإن تخطّتها بمصالحة الجبل الكبرى، إلا أنّ خطاب باسيل المستفزّ لكثير من اللبنانيين يوقظ الكثير من «الفتن» النائمة!

 

ليس مفهوماً ولا مبرّراً هذا الإصرار على السلوك الاستعراضي الأسبوعي الدوّار من منطقة إلى أخرى، وهذه الاستعراضات للمناسبة لا توصل إلى كرسي الرئاسة، ولا تبني «حالة شعبيّة» فلبنان بلدٌ توزيع الجماهير الحزبية شديد الوضوح ولا يستطيع أحد بهذه الاستعراضات أن يأكل من صحون الآخرين، ولا يحتاج معيار أنّ «الفتنة أشدّ من القتل» إلى تذكير الناسين به، فكيف إذا اقترن بفعل استدراج القتل؟!

 

من المؤسف أنّ الرئاسات الثلاث تتعاطى مع حالة فرد القلوع الباسيليّة إما بالصمت وإما بالرّضى، لم يشهد لبنان في تاريخه السياسي حالة مماثلة تصرف فيها مطلق وزير مهما كان «سنده» السياسي على قاعدة أنّه أكبر من الجميع، يتساءل المواطن اللبناني العادي الذي هو من حزب الأغلبية الصامتة، لماذا تتصرف الرئاسة الأولى وكأنّها موافقة وتتبنّى كل السلوك الباسيلي، ويتساءل نفس المواطن اللبناني العادي عن غَضّ الرئاسة الثالثة النّظر على كل السلوك الباسيلي الذي يكاد يرى البعض فيه اعتداء صارخاً ومشاركة لرئيس الحكومة في كلّ الصلاحيّات التي أناطها به الدستور، أمّا تساؤل نفس المواطن العادي بشأن الرئاسة الثانية ففيه الكثير من علامات الاستفهام حول نظرية «حادت عن ضهري.. بسيطة»، ونفس المواطن العادي يدرك أن صمت الرئاسات الثلاث على هذه «الطَّوْحة» الباسيليّة هو الذي جعلها تبلغ بالبلاد حافّة الخطر وإيقاظ الفتنة، ويبدو أنّ هذه الرّغبة الجامحة وجوع السّلطة سيستمرّ وعن سابق تصوّر وتصميم!

 

 

يحتاج هذا البلد إلى عقلاء حقيقيّين، عقلاء يقدّمون مصلحة البلد على مصالحهم الشخصية ومكاسبهم الآنيّة، ما حدث بالأمس شديد الخطورة، وإن لم يتم التعاطي معه بتحقيق وقضاء نزيه ـ وهنا نحن أمام إشكاليّة أخرى ـ لأنّها إن لم تكن شفّافة ودقيقة ونزيهة إلى أقصى الحدود ستكون مضاعفاتها السلبيّة على البلد سيّئة جداً!

 

لم تعد الناس تحتمل مشهد «الدواليب المشتعلة» تقطع عليهم طرقاتهم، لم يعد مقبولاً أن يعلق اللبنانيين ثلاث ساعات على الطرقات مع عائلاتهم عاجزين عن العودة بسلام إلى بيوتهم، لم يعد مقبولاً أنّ لا تتحرّك القوى العسكرية والأمنية لفتح طريق مقطوعة بانتظار قرار سياسي، لم يعد مقبولاً أن يفقد اللبناني الشعور بالأمان والأمن، ثمّ نجد في هكذا حكومة مشلولة من يحدّثنا عن «الآمال السياحيّة» لتحسين الوضع الإقتصادي في لبنان؟ هل يضحكون على أنفسهم أم على اللبنانيّين، أيّ سائح سيأتي إلى هذه البلاد التعيسة بعد أن يسمع أخبار الأمس المخيفة ويشاهد الطرقات المقطوعة بحرق الدواليب؟ أي سائح عربي عنده استعداد أن يعلق على الطريق لثلاث ساعات في بلد لا احترام فيه للإنسان ولا لكرامته، ولأن القوى المعنيّة بحماية الناس وطرقاتهم إلا بقرار سياسي، فيما سياسيّوه ورئاساته تتفرج على طموح وزير جامح إن استمرّ على ما هو عليه سيشرّع أبواب البلد لفتنة لا تُبقي ولا تذر!