IMLebanon

يتكلمون عن “النأي بالنفس” منذ ٢٠١٦ فهل يعلمون “معناه السياسي”..؟  

 

 

في كل يوم منذ مابعد ٢٠١٦/١٠/٣١ يُطالعنا ما يُسموا بحكام “لبنان الحالي”، بحديثهم المُكرّر عن “النأي بالنفس” بلبنانهم..!! عن الصراعات من حوله، دون أن يعرفوا ماذا يعني في “علم السياسة المعاصر”، أو في “الاتفاقيات الدولية”، وأنهم لو كانوا يعرفون معناه العلمي لما كرّروا حديثهم عنه، بل كان كل واحد منهم “لامَ،” نفسه على مافعله.. (وجاء في تعريف “لامَ” في معاجم اللغة العربية ما يلي: “لامَ يَلوم ، لُمْ ، لَوْمًا ، فهو لائم والجمع لُوَّمٌ، ولُيَّمٌ وهو أَيضاً لَوَّامٌ).

 

وبحسب الاتفاقيات الدولية فإنّ “النأي بالنفس” يعني:” الحياد عن الأزمات والصراعات والحروب”، وليس “النأي بالنفس الظرفية” كما يفسّره هؤلاء الحكّام في “لبنانهم الحالي”.

 

و في هذا السياق تعرّف إتفاقيات “لاهاي” الدولية لعام ١٨٨٩ و١٩٠٧، الحياد” -Neutralité-، بأنه يعني أمرين مترابطين ببعضهما البعض:

▪︎الأول – تصرفًا حرًا تتخذه دولة ما بإرادتها في نطاق اختصاصاتها المفرزة، ويُطلق على هذا الحياد «الحياد الإرادي المؤقت” وهو بذلك يتميّز عن “الحياد الاتفاقي الدائم” الذي يمثّل حالة دولة (ما) مُلزمة بموجب معاهدة دولية (ما) باحترام “الحياد” في كل الحالات، وألَّا ترتبط أبدًا بحرب هجومية.

▪︎ الثاني – نظامًا قانونيًا يُرتّب مجموعة من الحقوق والإلتزامات على الدول التي تختاره، أو على الدول التي تحترمه بموجب معاهدة دولية.

 

وفي هذا المجال تشير الاتفاقيات الدولية إلى أنَّ واجبات الدول المحايدة تدور حول نقطتين رئيسيتين وهما “الإمتناع”، و”عدم التحيّز ويُحظِّر “الأمتناع” منذ نهاية القرن الثامن عشر على:

١- واجب إمتناع “الدولة المحايدة” منح أي مساعدة لأحد المتحاربين، إما مباشرة من جانبها كدولة، أو من أفراد هذه الدولة.

ومع ذلك وتطبيقًا للمبدأ العام الذي يقضي بأنّ “الحياد” شأنه شأن الحرب، علاقة دولة بدولة، فإن “الدول المحايدة” لم ترد أن تكفل بوسائلها الخاصة “امتناع” تابعيها عن قيامهم بتصرفات تتعارض مع “الحياد”.

 

ولذلك اتجه “الفقه الدولي” و”التطبيق العملي”في العلاقات الدولية معًا إلى “فكرة المخاطرة” والتي بمقتضاها يتحمّل الأفراد المحايدون -أي التي دولتهم محايدة- مخاطر عملهم إضرارًا بأحد المحاربين، الذي يمنحه القانون أن يوقّع عليهم ما يراه مناسبًا من “عقاب” إخلالًا بواجب “الإمتناع”، وواجب “الدولة المحايدة”، وهذا يعني هنا أن تسحب “الدولة المحايدة” حمايتها عن هؤلاء الأفراد، تاركًة للجانب المُحارب المتضرّر التصرّف تجاههم بما يراه مناسبًا لحماية مصالحه.

 

٢- ويعني “عدم التحيّز” -impartialité- إلتزام “الدولة المحايدة” المعاملة “المتساوية” مع كل المتحاربين، بسبب عدم وجود “الحياد الخيّر” أو-المُجامل- في النظام القانوني لـ”الحياد”.

 

وعليه، تتلخّص حقوق “الدولة المحايدة” في خاصيتين:

١- عدم جواز انتهاك إقليم الدول المحايدة؛ وهو ما يدخل في اختصاصات “الحرب البرية:؛ وهو ما عبّرت عنه ديباجة إتفاقية “لاهاي” ١٩٠٧؛ حينما أكّدت على أنّ: “على الدول المحايدة واجب معروف يقضي بأن تطبّق تطبيقًا غير متحيّز في مواجهة جميع المتحاربين”.

٢- حرية علاقاتها مع جميع المتحاربين، وهو أمر يعني على الأخص “الحرب البحرية”.

هذا بإيجاز معنى “النأي بالنفس”، أي “الحياد”، غير المعروف من حُكّأم لبنان الحاليين.

 

وفي هذا السياق أشير إلى أن “مجلس الأمن” خلال الجلسة التشاورية المُغلقة التي عقدها الأربعاء ٢٠٢٠/٥/١٣ حول الوضع في لبنان، أكّد في ورقته الصحافية على دعواته السابقة ل “إعادة إلتزام لبنان بسياسة النأي بالنفس، ووقف أي تدخل في أي نزاع خارجي، بما يتفق مع إلتزام الأطراف اللبنانية بـ-إعلان بعبدا-“.. (إشارة إلى البند الثاني عشر في “إعلان بعبدا” الصادر في ٢٠١٢/٦/١١، في عهد الرئيس السابق “العماد ميشال سليمان”، وهو “الإعلان” الذي كان حُكّام لبنان الحاليين قد إغتالوه)، وهو البند الذي كان قد أكّد على مفهوم ” الحياد اللبناني” بما يلي “تحييد لبنان عن سياسة المحاور، والصراعات الإقليمية والدولية وانعكاساتها السلبية على لبنان، وحرصًا على مصلحة لبنان العليا، ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب إلتزام قرارات الشرعية الدولية، والإجماع العربي، والقضية الفلسطينية المحقّة، بما في ذلك حق عودة اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم”.

 

لذلك أشرت في بداية القراءة بأن “حُكّام لبنان الحاليين” منذ ٢٠١٦/١٠/٣١ لو كانوا يعرفون ماذا يعني مفهوم “النأي بالنفس” لما تحدثوا عنه، بل كانوا لاموا إنفسهم على فعلتهم هذه..!! والله أعلم ..