IMLebanon

«النأي بالنفس» محصن بإجماع مكونات الحكومة  

 

لا يخفي العديد من القوى والافرقاء السياسيين قناعاتهم بأن مبدأ «النأي بالنفس» الذي أقرته الحكومة اللبنانية باجماع مكوناتها، وكان أساس عودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته، لايزال محصنا، وبعيداً عن أية فروقات، خلافاً لما يروج له البعض، على خلفية ما أحدثه قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الأخير بشأن نقل السفارة الاميركية من تل أبيب الى القدس، واعلان القدس عاصمة للكيان الاسرائيلي، من تداعيات وردود فعل ومواقف، من بينها الحراك الشعبي اللافت احتجاجاً ورفضاً للقرار الاميركي، وتزكيداً لدعم لبنان قضية فلسطين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وتفتح المجال أمام عودة آلاف اللاجئين.

 

لم يعد خفياً على أحد، ان البعض راح بعيداً في توصيف الحراك الشعبي الاخير، ومن تجلياته الاحتجاجات التي حصلت قبالة السفارة الاميركية في عوكر، على أنه خرق لمبدأ «النأي بالنفس»، الامر الذي أثار مجموعة من الاسئلة والتساؤلات حول صحة «مطاطية» مفهوم النأي، وحول ما اذا كان «النأي بالنفس» يقتصر فقط على تدخل أفرقاء لبنان (تحديداً «حزب الله») في الصراعات الدائرة في العراق وسوريا وغيرها، أم أنه يطال كل مسألة ذات جذور او امتدادات خارجية، من مثل الحراك الشعبي الذي دعت اليه الاحزاب والقوى الوطنية وفصائل فلسطينية في عوكر الرافض للقرار الاميركي والمؤيد لقضية فلسطين، والذي لا يمكن التقليل من أهميته.. وهذه مسألة مستبعدة في رأي البعض، خصوصاً وأن الرئيس الحريري كان من أوائل الذين أعلنوا رفضهم وادانتهم القرار الاميركي..

الاجتهاد في ذلك مفتوح على مداه، والجميع ينتظر جلسة مجلس الوزراء بعد غد الخميس، في القصر الجمهوري وما ستؤول اليه، خصوصاً وان موقف لبنان في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، قبل أيام، كان بالغ الدلالة على تمايز لبنان عن سائر او عن غالبية الدول العربية، والذي تمثل في اعتراض وزير الخارجية جبران باسيل على القرار الصادر عن الاجتماع، كونه «لم يأت على المستوى المطلوب لهذا الحدث..».

ليس من شك في ان ما صدر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب لم يرق الى مستوى الحدث، خصوصاً وأن البعض لم يخف خشيته من ان تكون «القمة الثلاثية» في القاهرة بين الرئيس المصري وملك الاردن والرئيس الفلسطيني، – على الرغم من قرار مجلس النواب الاردني أمس، «مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل بما فيها معاهدة السلام» بديلاً عن القمة العربية التي يدعو اليها البعض.. ولا يبدو في المعطيات المتداولة، ما يؤشر من قريب او من بعيد الى احتمال انعقادها..

لم تقف المسألة عند هذا الحد، حيث من المقرر ان يتوجه الى اسطنبول يوم غد الاربعاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تلبية لدعوة نظيره التركي رجب طيب اردوغان لحضور القمة الاسلامية الطارئة بشأن القرار الاميركي – المرفوض شكلا ومضموناً.. وستكون للرئيس عون كلمته يؤكد مطلعون أنها ستكون بالغة الأهمية ومميزة يخلص فيها الى الدعوة لتركيز الجهود لمواجهة القرار الاميركي وتداعياته، ووقف النزاعات العربية – العربية، والتأكيد على ان القدس هي بالنسبة للمسيحيين خط أحمر لا يمكن القبول بتجاوزه والوقوف مكتوفي الايدي ازاء ما تتعرض له حاضراً ومستقبلاً من محو لقيمتها الروحية، وهو سيشدد على رفض اغتصاب آخر المعالم الدينية التوحيدية (المسيحية – الاسلامية)  الجامعة.. أياً كان الثمن..

ليس من شك أيضاً في ان الحراك الشعبي اللبناني – الفلسطيني – الدولي ضد قرار ترامب سوف يستمر ولا يمكن التقليل من أهمية التظاهرات التي تحصل في غير مكان، من دول العالم وفي لبنان تحديداً، فإن غياب العديد من الدول العربية عن هذه المشهدية يكشف مدى هشاشة الوضع العربي ومدى التفكك الذي آلت اليه الأوضاع..

لم يكن الرئيس بري – الذي غاب أمس عن اجتماع البرلمانيين العرب وهو رئيس هذا الاتحاد – «ينجم» عندما استبعد انعقاد قمة عربية طارئة بشأن القدس، وهي التي انعقدت لمرات عديدة، تلبية لدعوات نافذين، للبحث في موضوعات لا تقارب في أهميتها وخطورتها أهمية وخطورة ما تتعرض له القدس الشريف، أول القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وبما تمثله عند المسيحيين والمسلمين سواء بسواء.. وتأسيساً على هذا، أخذ قراره بمشاركة حركة «أمل» في المسيرة الشعبية الحاشدة، وغير المسبوقة بعد ظهر أمس في الضاحية الجنوبية، والتي كان دعا اليها الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله..

مفاتيح الحل ليست في أيدي اللبنانيين، وما سيصدر عن قمة اسطنبول على أهميته، لن يكون بديلاً عن الدور العربي المطلوب، كما القمة الثلاثية في القاهرة خصوصاً وأن المسألة تجاوزت الجغرافيا وباتت محط متابعات دولية عابرة للحدود.. كما ولحدود الطوائف والمذاهب، خصوصاً وأن قرار الرئيس الاميركي، شكل «صفعة للفلسطينيين والمسيحيين والمسلمين وكل العرب، وبهدم جسور السلام.. ويشعل نار الانتفاضة الجديدة ويحول اورشليم (القدس) «مدينة السلام» الى مدينة حرب وبذلك اعتداء على قدسيتها وعلى الله، ومن الواجب العودة نهائياً عن هذا القرار الهدام واعتباره كأنه لم يكن، على ما قال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، في عظة الاحد، أول من أمس، بالتقاطع مع الحشود الشعبية (اللبنانية والفلسطينية) في ساحة عوكر قبالة السفارة الاميركية.

ان عامل التاريخ، والجغرافيا والهوية ووحدة الحياة والمصير، يجعل من القدس، بل فلسطين، قضية حياة او موت، وقد كان وزير الخارجية محقاً عندما أكد أمام وزراء الخارجية العرب، اننا «لم نأت الى هنا لرفع اليدين لبيان رفع العتب او لمواساة بعضنا في مصابنا.. نحن هنا لاستعادة الذات بدل خسارتها.. ولاستعادة القضية الأم قضية فلسطين وعاصمتها القدس الشريف..» ولاستعادة السياسة العربية الموحدة لاتخاذ اجراءات ردعية رداً على القرار الاميركي.. كما ولاستعادة العزة العربية النفس العربي الثائر على الظلم، بانتفاضة شعبية واحدة في كل بلداننا العربية.».

«برافو باسيل» قالها الرئيس بري.. لكن السؤال يبقى «على من تقرأ مزاميرك يا داود..؟!».