عندما وقّع “حزب الله” اتفاق الذلّ والإذعان وانتقل إلى ممارسة المناورات اللفظية النارية حول استعادة قدراته “الخارقة”، ودخول الرئيس نبيه بري باعتباره المضارِب الأول في الجمهورية اللبنانية لحماية ما تبقى من السلاح، ومضيّه في ابتزاز الجميع في التعيينات التي يريد من خلالها ضمان عدم فتح أبواب المساءلة والمحاكمة على المفسدين الذين يرعاهم، وعلى رأسهم معاونه الأول علي حسن خليل وبقية الزمرة الغارقة في كلّ أنواع الفساد، من قضية جريمة تفجير مرفأ بيروت إلى فضيحة أدوية السرطان المغشوشة.. فالتقى المفسدون والمسلحون غير الشرعيين على إجهاض محاولات العهد النهوض بلبنان.
يستمرّ الثنائي الشيعي في استغلال حرص رئيس الجمهورية جوزاف عون على عدم وقوع صدام بين “حزب الله” وبيئته وبين أجهزة الدولة، التي يُفترَضُ بها أن تطبق اتفاقية وقف إطلاق النار والقرار 1701، ويذهب قطبا هذا الثنائي المذهبي والطائفي بعيداً، فيُصدِرون أصواتًا نشازًا تتحدث عن بوادر صفقة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقضي بإعطاء الشيعة امتيازات في النظام السياسي، مثل منحهم قيادة الجيش وحاكمية المصرف المركزي.. وغير ذلك من الطموحات التي يعتبرون الحصول عليها “حقاً لهم”، مقابل حلّ إشكالية السلاح غير الشرعي على طريقتهم..
انطلت هذه الطروحات على قسم من الطبقة السياسية وصدّقها الكثيرون ممن يفترض أنّهم في مواقع القرار، فذهبوا نحو انتظار نتائج المفاوضات الأميركية الإيرانية والبناء عليها، للتعامل مع معضلة السلاح غير الشرعي، وتعطّلت عمليًا آلية فرض حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية..
وللتذكير، فإنّ الأحزاب اللبنانية التي شاركت في الحرب لم تطلب امتيازات استثنائية، بل انخرطت في تطبيق اتفاق الطائف، الذي يعتبره “حزبُ الله” غير منصف للشيعة، مع العلم أنّهم “يأكلون البيضة وقشرتها”، وما زالت بأيديهم الكثير من المواقع التي استولوا عليها بغير حق، بالإضافة إلى وجودهم الطبيعي في مجلس النواب..
الآن، وبعد أن أصبحت طهران مثل الضاحية الجنوبية لبيروت تسرح فيها المسيَّرات الإسرائيلية وتمرح، وتدمِّر وتغتال.. سقطت كذبة الصفقة مع أميركا، كما سقطت أوهام تغيير النظام تحت وطأة السلاح الشيعي، هناك نتائج مترتبة على هذه التطورات، أوّلُها ضرورة تخلّي الدولة اللبنانية عن التردّد والمسايرة في غير مكانها، فقضية السلاح غير الشرعي تهدِّد بتدمير البلد بالفعل هذه المرة، حتى من دون أن يقوم “حزب الله” بالتدخل في الحرب الإيرانية الإسرائيلية، فمعضلة السلاح ستكون أشبه بـ “النووي الإيراني”، ولن ينتظر الإسرائيليون “الحزب” حتى يتمكّن من إعادة بناء قدراته العسكرية والاستراتيجية، بل إنّه سيأتي وقت تكون فيه دولتنا أمام خيارين أحلاهما مُـرّ: إمّا تطبيق القرارات المتعلقة بالسلاح غير الشرعي، وإمّا تعريض لبنان لحملات معادية تضرب مرافق الدولة من مطار ومرفأ وبنى تحتية..
سقطت أوهام القوة الإيرانية، وانكشفت القدرات الحقيقية وانعدام التوازن، واتضح أنّ إيران سيطرت على العواصم العربية الأربع بالقوة الأميركية والغربية، والآن تخلّى هذا الغرب عن إيران ليتأكّد الجميع أنّها ليست سوى نمر من ورق، وهذا هو الوقت المناسب والظرف المناسب تمامًا للتحرّك من أجل بناء الدولة واستعادة الشيعة إلى قلب الوطن، وتطمين سائر الأطياف بأنّ الدولة هي التي تحميها، وليس سلاح الغدر ولا سلاح المغامرات والمقامرات الطائشة.