IMLebanon

هل يعود «الإخوان»؟

  يريدون بلاداً فارغة ..

ـ ١ ـ

«لا بد ان نعود الى نسيج واحد…».

مجدي العجاتي وزير العدالة الانتقالية في مصر لم يتردد وهو يستخدم هذه الاوصاف ردا على سؤال صحافي حول المصالحة بين النظام والاخوان المسلمين.

واعتبر الوزير المعني بصدور قانون حول «العدالة الانتقالية» ان «الدستور يريد إنهاء تلك المسألة الخلافية (التصالح مع الإخوان)، وأن نعود نسيجا واحدا، ليس هناك إخوان وغير إخوان، ومرسي وغير مرسي، وممكن نتصالح مع الإخواني إذا لم تلوث يده بالدم، لأنه مواطن في النهاية» (الوكالة الروسية ـ أول امس).

هكذا بدأت تخرج روايات المصالحة من الحيز السري/ او التسريب/ النميمة الذي رددت الروايات تفاصيل عن مهمة مستشار الرئيس الدكتور اسامة الازهري في عقد اتفاقات مع «الذين لم تلوث ايديهم بالدماء» من االاخوان.

جولات الشيخ الازهري المقرب من المارشال السيسي تبدو بالنسبة لرواة المصالحة «كأنها تحصيل حاصل» بل ان هناك من يروي التفاصيل مع توابلها: «..هناك الآن اجتماعات في مكاتب امن الدولة ..مع قيادات نقابية وخبراء في انتخابات المحليات من الاخوان..».

تتعدد تفاصيل الرواية لكنها تتمحور حول فكرة انه: «..في غرفة سرية ما يتم تدبير (الصفقة الكبرى)».

والروايات لا تقف طويلا عند سؤال رئيسي: هل هذه ارادة «رأس» الدولة ام انها لعبة او رسالة لاطراف داخلية وخارجية، يطالبون بالهدوء. الحكاية خرافية، بالنسبة لعشاق المنطق الكلاسيكي، فمن وجهة نظرهم «شرعية» السيسي تقوم علي «إلغاء» الاخوان، وليس اعادة قبولهم او توظيفهم في هندسة النظام باعتبارهم الجسم السياسي القادر على خوض تفاصيل السيطرة على المجال السياسي والنقابي».

ـ 2 ـ

«النسيج…» الذي تحدث عنه الوزير المصري اوسع من «الخطاب العاطفي» الذي يقال عادة في هذه المناسبات، فهناك «حشد» لصفوف اقليمية يمكن السماح فيها للاخوان بالاندماج .

هذه وجهة نظر «اصحاب العقل القديم»، بينما العقل الجديد لم يتكون بعد، ويكتفي باللعب وحده في الفراغ السياسي فهو البطل المغوار /منقذ البلاد، حتى ان السيسي عندما سأله صحافي عن «المصالحة» قال: «هذا الامر بيد الشعب».

الاخوان يعودون الى «النسيج» في حالة انهاك وضعف، وهذا يكفي من وجهة نظر امنية لضمان ملأ الفراغ بجسد كبير منهك، سيتراجع (عن احلام عودة مرسي) ويعتذر (عن جرائم الارهاب..).

من يقدر على هذه الشروط ؟ وفي اي اطار يمكن تحققها؟

هل سيقبل الطرف الاخواني /فرع الايادي البيضاء ان يعود للعب دور «قرين للسلطة؟».

الاخوان محترفون في اللعب في الظل لتحقيق توازن ما كما حدث في العشرين عاما الاخيرة لمبارك حيث عملت الجماعة وفق هندسة السلطة: «لنا الحكم ولكم الشارع»، والتي تهدف الى «احكام السيطرة» على المجال العام (نقابات /انتخابات /محليات /مساجد).

الروايات ربما تكون رسالة الى الداخل او الخارج، بان النظام تحت الضغط او يضطر اليه، وذلك للحصول على دعم و «حشد لا مزيد» حول السيسي الذي يواجه ازمة اقتصادية عنيفة، وفي نفس الوقت طلبات من الحليف السعودي.

كل هذه احتمالات واردة. لا تغطية ما تكشفه الرواية من فقدان السيسي لجهاز سياسي لديه خبرة (غير المباركيين) في السيطرة على الشارع، اي ان السيسي يخشى «ايتام» مبارك اكثر ربما من «فلول» الاخوان.

ـ 3 ـ

يتم هذا في اطار مسرح فارغ.. بلا عروض عادية.

الوضع كله في اطار «طوارئ» يبدو انها ليست مشرفة على الانتهاء… وهذا ما يجعل روايات المصالحة لها مهمة «تسلية» واختبار قدرات اللاعبين الجدد في النظام المهتم باعادة تدوير الثروة وتأسيس بنية «دفاعية» جعلت مصر رابع دول العالم في شراء السلاح (عام 2015).

يأتي الاخوان على هامش اهتمامات «مجموعة الحكم» رغم ترويج الرواة لقرب تنفيد سيناريو المصالحة، فالاهتمام الاساسي هو «ابتلاع» سوق الاعلام، وإنهاء مشاريع بناء مدينة رئاسية جديدة ، لاتمام «نقل جزئي» للدولة في اتجاه جنوب شرق القاهرة (وذلك على غرار ما حدث في فرنسا حينما انتقل الحكم من الشانزليزيه الى فرساي).

وهذا هو «التجديد» الذي تتخيله «مجموعة المارشال» لتجديد الدولة وتحديثها بل وتمدينها.. لتكتمل عناصر «الدولة المدنية الحديثة» التي يتحدث عنها السيسي ويتخيلها على طريقة «بناة المعمار» لا في تأسيس علاقات وفراغات رمزية… وغير ذلك..

والمصالحة لا تعني كثيرا بالنسبة لهذا التصور مقابل افراغ المجال لاعادة تدوير يقوم بها المقاول وبائع الاعلانات… اكتشفهما الكهنة المعتقون في العشريتين الاخيرتين لمبارك، كأدوات حاسمة للحكم. الاول عبر السيطرة على حركة المال، وتحويل الاراضي الى خزائن ثروات متوالدة، والسكن الى نادي الحظ، حيث تختار موقعك ضمن النخبة الملحقة بالسلطة، يرتبط مصيرك بمصيرها، لتكون هذه المنتجعات/ المدن هي مزارع تربية واقتناء «المواطن الصالح» او «الابن البار»، الذي تلعب عليه الاعلانات لتثبيت ما قد يهرب هنا او هناك بفعل الجدل السياسي، او التأثر بمزاجات التمرد والتغيير، لتكتمل منظومة تستبدل مفاهيم «الدولة» (التي تعني كيانا محايدا يدير المؤسسات لتحقيق افضل حياة للمواطنين) او «الوطن» (مكان العيش المشترك مع مجموعة متجانسة لا تمييز بينها حسب العائلة او الدين او الحساب في البنك..). مفهوم الشركة منقول من مفاهيم النيوليبرالية (يمكن ان نقول ذلك) لكنها تضع السلطة في موقع المحتكر الوحيد، المهيمن على السلطة والثروة والسلاح، شركة تملكها السلطة، وتقسم الناس فيها حسب تمييز الثروات، او الولاء، وهنا يخلق المقاول ملاعب لسباق حياتي من اجل الدخول في الشركة، ويوزع بائع الاعلانات كريمات الترطيب ومراهم التحفيز للدخول في السباق، وقبل هذا وذاك يتحكم في مصفاة الذوق والفنون عبر اختيار النجوم وتكريس انماط من الخيال تحول التليفزيونات الى ما وصلت اليه: مستودع نفايات، والصحف الى مدافن للمواهب واصحاب الخيال، ومنح للمتوسطين والشطار في نسج وغزل العلاقات مع نخب المال والسلطة ليلعب دور الخادم وكشاف الاضاءة…