IMLebanon

صيدا خارج حسابات الدوائر… الحريري يستأثر بمقعدي المدينة

…بانتظار تبلور المشهد الذي سترسو عليه ورش البحث و«التنقيب» عن قانون للانتخابات النيابية، في ظل مناخ سياسي حافل بالتعقيدات والحسابات، فان رؤية ما ستؤول اليه الاوضاع الانتخابية في عاصمة الجنوب صيدا، ما تزال ضبابية، وسط اجواء من الترقب، وان كان «تيار المستقبل» بدا في حال ارتياح، انطلاقا من ان الامور ستسير وفق ما يشتهي، لجهة الابقاء على صيدا «جزيرة انتخابية» منفصلة عن الخارطة الجنوبية، الامر الذي يمكنه من الاستئثار بالمقعدين النيابيين اللذين يشكلان حصة صيدا النيابية، فيما التنظيم الشعبي الناصري «قاطع الامل» من اعادة النظر بالتركيبة الانتخابية التي ارتسمت خلال صفقة الدوحة عام 2008، لكن مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون برفض العودة الى قانون الـ 60، قد يُحدث ثغرة في جدار  قانون الاكثري، وبخاصة لجهة تعديل حجم الدوائر.

ومع الخط التصاعدي الذي بلغته الورشة السياسية الخاصة بصياغة قانون للانتخابات النيابية، تبدو صيدا، خارج البحث او التعديل، وكأنها الحصة الثابتة لفريق رئيس الحكومة سعد الحريري بحيث يُحَرَّم على القوى والتيارات السياسية اخضاعها للنقاش، منذ صفقة الدوحة التي اعقبت الاحداث الامنية في السابع من ايار، والتي نتجت من مفاعيل قرارات حكومة السنيورة التي استهدفت المقاومة وشبكة اتصالاتها الخاصة في الخامس من ايار، تلك الصفقة جعلت من فريق سياسي مهزوم في السياسة… منتصرا في الانتخابات، والمنتصر في السياسة مهزوما في شكل قانون الانتخاب.

ويرى متابعون للشأن الانتخابي في صيدا، انه بعد  تسع سنوات، يكاد المشهد يتكرر اليوم، في سياق ورشة البحث و«التنقيب» الجارية للوصول الى قانون انتخاب بديل عن قانون الـ 60، في ظل تمترس فريق الحريري بابقاء الوضع على حاله في عاصمة الجنوب، سيما انه يستأثر بمقعديها النيابيين، منذ «حرَّر» قانون الـ 60  مدينة صيدا التي تقع تحت ثقل الناخب السني، من الناخب الشيعي والمسيحي المنتشر في قرى وبلدات صيدا، وهو ما يريح فريق «المستقبل» الذي يضمن ابعاد اخصامه السياسيين في المدينة، وبخاصة التنظيم الشعبي الناصري الذي يقوده الدكتور اسامة سعد.

ثمة من ينظر الى صيدا… على انها المدينة الابرز على مستوى الانقسام السياسي الحاد، المرتسم بين قطبيها الاساسيين، «تيار المستقبل» الذي تقوده النائبة بهية الحريري، بمؤازرة غير محدودة من الارث العائلي والسياسي الذي خلفه الرئيس الشهيد رفيق الحريري (اغتيل في 14 شباط 2005 )، والمعزز بنجله رئيس الحكومة سعد الحريري من جهة،  والتنظيم الشعبي الناصري بقيادة امينه العام النائب السابق الدكتور اسامة سعد، وبمؤازرة غير محدودة ايضا من ارث الزعامة الشعبية التي تركها والده النائب الراحل معروف سعد (اغتيل في 26 شباط 1975)، والمعزز بإرث سياسي مثله شقيقه النائب الراحل مصطفى سعد، وهو ارث ما زال محفورا في الذاكرة الصيداوية، وهو وان سجل تراجعا في بعض المحطات السياسية المفصلية، لكنه حاضر بقوة في حياة الصيداويين… فالنائبة بهية الحريري، ومنذ «تحررت» صيدا من «قبضة» الناخب الجنوبي، بفعل صفقة الدوحة، «تحررت» هي من كتلة التنمية والتحرير، لتنضم الى تكتل «المستقبل»، والحقيقة المُرَّة التي يؤمن بها «المستقبليون» ان لا وجود لحصة لهم في صيدا، من دون قانون الـ 60، او رضى سياسي من صاحب النفوذ الانتخابي الاقوى في الجنوب الذي يمثله الرئيس نبيه بري، وهو ما اظهرته كل الدورات الانتخابية التي جرت على اساس القانون الاكثري من العام 1992 وحتى عقد صفقة الدوحة في العام 2008،  فيما بقي التنظيم الشعبي الناصري وامينه العام الدكتور اسامة سعد، قبل صفقة الدوحة وبعدها، على صداقته السياسية على الرئيس نبيه بري، مع انه سجل عتبا كبيرا على حليفيه الرئيس بري و«حزب الله» اللذين خرجا من مؤتمر الدوحة بقانون انتخاب يجعل من صيدا دائرة بذاتها، وهو ما ادى الى ازاحة سعد تمثيله النيابي، بقانون قائم على الاكثرية… ووهب «المستقبل» مقعدين نيابيين.

ويجزم العارفون… انه في حال الابقاء على قانون الـ 60، فلا يتوقعن احد اي تعديل على صورة التمثيل النيابي لصيدا، يُحدث تغييرات على الصورة التمثيلية للمدينة من خلال مقعدين نيابيين للطائفة السنية سيكونان بالتأكيد من حصة «المستقبل»، لكن ما هو مؤكد ان الانتخابات النيابية لن تستطيع ان ترسم موازين قوى جديدة مغايرة لما هو قائم اليوم، والتي يبرز فيها الطرفان الاكثر تمثيلا «تيار المستقبل» والتنظيم الشعبي الناصري..وفي تاريخ المعارك الانتخابات النيابية التي كانت تدور في مدينة صيد قبل عقود، كانت المعارك حينها تنحسر بين قطبين سياسيين لا ثالث لهما، تيار الزعيم الشعبي الشهيد معروف سعد من جهة، وتيار الراحل نزيه البزري، وهما كانا يتناوبان على تمثيل المدينة في المجلس النيابي بعد معارك سياسية موصوفة، اليوم، الحال اختلفت مع «الهبة» التي قدمتها صفقة الدوحة لـ«تيار المستقبل» الذي بات هو من يُمسك بالتمثيل النيابي، طالما ان «الاكثري» هو المعتمد، وطالما ان الدائرة الانتخابية مرسومة وفق الحدود الجغرافية الضيقة لصيدا، على الرغم من الثقل السياسي والشعبي الذي يحظى به تيار التنظيم الشعبي الناصري، لكن هذا التيار لا يمكنه تظهير حالته كقوة تمثيلية للمدينة، في ظل قانون يستبعد النسبية، لان الحسابات ستكون مختلفة تماما، فيما لو اعتمد قانون «النسبي» صيداويا، وهو قانون يعطي حظوظا للفريقين لناحية الحاصل الانتخابي النجاح بمقعد نيابي من المقعدين، او «الاكثري» على مستوى محافظة الجنوب الذي يجعل الدائرة اوسع واكثر تمثيلا والمقرر فيها الناخب المنتشر من صيدا وحتى اقصى الجنوب، متنوعا طائفيا ومذهبيا وسياسيا.

ثمة مفارقة تعيشها اوساط الفريقين الصيداويين، «المستقبل» و«الناصري»، فالاول ناشط في استعادة ما فقده في المرحلة الماضية من نزف في قواعده الشعبية، بعد مسلسل النكسات التي مُني بها، داخل المدينة وعلى مستوى التيار في لبنان، فيما الثاني ناشط في تعزيز حضوره الشعبي والسياسي، ومعركة الطرفين في الساحة الصيداوية، ستكون الانتخابات النيابية المقبلة، محطة من محطاتها… لا اكثر، فيما القوى والتيارات السياسية الاخرى، تدور في فلكيهما، بعيدا عن مسار التمثيل النيابي.