IMLebanon

الدائرة الواحدة   

 

يعرف الرئيس نبيه بري، كما يعرف الجميع في لبنان، أنّ الطيف المسيحي اللبناني الذي لا يجمع أطرافه على قضيّة سياسية واحدة، إلاّ نادراً ها هو يُجمع هذه المرة على عدم الموافقة على اقتراح دولته مشروعاً لقانون الانتخاب يقوم على اعتبار لبنان دائرة  انتخابية واحدة، وعلى أساس النسبية ومن دون الصوت التفضيلي.

 

إنّ مثل هذا المشروع، فيما لو صار قانوناً، يعني أنّ الصوت الانتخابي المسيحي لن يستطيع أن يوصل نائباً واحداً الى مجلس النواب. وهذه حقيقة لا ينكرها عاقل. والمسيحيون الذين جهدوا حتى تمّ التوصل الى قانون الانتخاب الحالي، بشق النفس، لن يتنازلوا عنه تحت أي ذريعة أو موجب. بالرغم من اعترافهم، جميعاً، بعيوب عديدة فيه. وأكثر ما يمكن أن يقبلوا به هو إجراء تعديلات عليه يتم التوافق حولها وعليها على الصعيد الوطني العام.

 

قانون الستين كان «يسمح» للمسيحيين بأن يوصلوا بأصواتهم نحو 25 نائباً حداً أقصى. القانون الحالي مكّنهم من إيصال نحو 55 نائباً  (على الأقل) بأصواتهم… من أصل حصتهم التي هي 64 نائباً، أي نصف عدد أعضاء المجلس النيابي (128 نائباً) بموجب دستور الطائف.

 

على هذه النقطة يلتقي التيار الوطني الحر والكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية والوطنيون الأحرار والشخصيات ذات الحيثية من دون أن تكون منضوية في أي إطار حزبي.

 

إنّ أحداً لا يشك في صدق طوية الرئيس نبيه بري وحسن نيّاته، والمؤمل منه أن يتفهم الموقف المسيحي على حقيقته. هذا الموقف الذي يختصره كلامٌ كبير قيل ويقال، بإستمرار، في لقاءات على قدر عالٍ من الأهمية، وتبقى بعيدة عن الأضواء، والتي توصل المشتركون فيها (وهي تعقد بشكل دوري) الى الآتي: إن قانون انتخابات على النسبية ولبنان دائرة واحدة يعني النهاية العملية الحاسمة للدور المسيحي في لبنان.

الى ذلك، لا شكّ في أنه وصل الى مسامع دولة الرئيس بري أنّ الطيف السنّي اللبناني هو أيضاً شبه مجمع (إنْ لم يكن مجمعاً كلياً) على رفض الدائرة الانتخابية الواحدة.

 

ولا يريد المسيحيون أن يبدوا وكأنهم يعارضون المشروع لأنّه صادر عن رئيس المجلس، بل هم يعارضونه في المطلق حتى وإن كان وراءه حزب أو تيار أو قيادي  مسيحي.

 

صحيح أن المشروع يحفظ  للمسيحيين حقهم الدستوري في المناصفة، ولكنه يسلبهم إرادتهم في اختيار ممثليهم بشكل قاطع وحاسم. وهذا ما لن يقبلوه على الإطلاق، وبالذات عشية الاحتفال بالمئوية الأولى لإعلان لبنان الكبير، ذلك الإعلان الخطير، بما فيه من عِبَر  وتحديد مصائر لا نرى المجال ملائماً للخوض في وقائعها الآن، وهي معروفة من الجميع في أي حال.

 

وفي خلاصة القول، نثق بأنّ دولة الرئيس نبيه بري على يقين بأن مشروع لبنان دائرة انتخابية واحدة لن يمر. وعلى ما يعهده اللبنانيون فيه من حرص على الميثاقية اللبنانية، فهو سيتخذ الموقف الذي ينبع من وطنيته وحرصه على هذا الوطن بأطيافه كافة… وهو الذي قال أمس إن الاقتراح «قابل للنقاش بمحتوياته كلّها».