IMLebanon

هكذا كانت الحكومات تتطاير في الأزمات

 

هكذا كانت الحكومات تتطاير في الأزمات

مظلّة سياسية فوق كل عهد ومساع صاخبة

لانقاذ الوزراء من رياح التغيير والتعيين

قال الرئيس نبيه بري لأحد نواب كتلته النيابية الأسبوع الفائت، ان النظام البرلماني هو النظام الأفضل للبنان، لأن غيابه يعني غياب الحرية والديمقراطية والقرار عن بلد لا يعيش من دون هذه الصفات الأساسية لكل وطن في أي حقبات من التاريخ.

ورأى النائب أنور الخليل الذي سمع ترداد هذه العبارات ان لبنان، لا أحد يدري بمكانته السياسية أكثر من رئيس مجلس النواب الذي أمضى ستة عقود في رئاسة السلطة الاشتراعية في البلاد.

وأردف قبل ٧٢ ساعة من وصول الرئيس سعد الحريري الى بيروت آتيا من الرياض للعمل على تشكيل حكومته الجديدة، بعدما منحه ١١١ نائبا تفويضا بالتأليف، ان هذا لا يعني، ولا يمكن أن يعني تسلّط ارادة واحدة على الحياة النيابية.

وتابع الوزير السابق أنور الخليل: أنا ترشحت في منطقة ذات جذور درزية، لكنني كنت أفوز في نيابتي بأصوات اسلامية سنّية، وبأصوات مسيحية، لكنني أنا لبناني واللبنانية تعني قبل كل شيء، المواقف العامة لا الخاصة، واذا ما كان الرئيس برّي قد وقف دائما الى جانبي، بصفتي أمينا عاما لتكتل نيابي كبير، فهذا لأن الرئيس بري شيعي، وسنّي ومسيحي في مواقفه وآرائه، وهذا هو لبنان.

واستطرد النائب أنور الخليل: ان الثنائية الشيعية والثنائيات المسيحية، تصبّ كلها في خانة الوحدة اللبنانية وليس عيبا ان يكون ثمة تكتل لبناني حرّ، وتكتل كتائبي، وتكتل قواتي، لكن العيب الكبير ان يفكّر النائب في طائفته قبل التفكير في وطنه.

عندما غادر الرئيس سعد الحريري موسكو مودّعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال لمن كان يحضر معه مونديال موسكو ان العبرة ليست في الانتصار والاخفاق، بل ان العبرة الأساسية تكمن في احترام النتائج سلبية كانت أو ايجابية. والذي يجمد في موقف واحد، يوقع نفسه في خطأ شامل. لأن من حق الانسان كما من واجبه ان تكون له آراء متباينة حينا مع سواه ومتوافقة أحيانا معه، لكن الحق الكبير هو احترام، كل فريق، آراء سواه.

وهذا ما جعل البلدان جميعا تتباين وتتفق أحيانا، لكن مظلة الوفاق والاتفاق ينبغي ان تظلل الجميع.

كان الرئيس حبيب باشا السعد يقول في حقبة الأربعينات ان استمرار لبنان في الوجود مردّه الى أمر واحد، هو شعور اللبنانيين بحقهم وحق سواهم في احترام قرارات الجمهورية، لأن للجماهير الحق في الاختلاف، لكن ليس لها الحق في التنابذ والتفرقة.

عندما عزم الرئيس فؤاد شهاب على الاستقالة للمرة الأولى، عاد في ذهنه الى الرئيس بشارة خليل الخوري، وأوفد اليه من يعرض عليه العودة الى رئاسة الجمهورية، لأنه أرغم على الاستقالة بغير وجه حق، لكنه أبى ورفض، وقال للقادم اليه في الكسليك ان الرئاسة، ذهبت منّي وأنا لن أعود اليها، ومن حق الرئيس فؤاد شهاب ان يكافح الأزمات، ليعود بنفسه الى جمهورية باتت في عهدة يديه. وهذا، في السياسة حق المخلصين لأوطانهم.

وتابع الشيخ بشارة الخوري: أنا وقفت ضد بقاء شقيقي السلطان سليم نائبا، ودعوته الى الاستقالة، لأن بقاءه في موقعه، يشكّل إهانة له وضررا للبنان.

وتابع: انني أشعر الآن ان حقوقي وصلت إليّ بمجرد ان طلب منّي رئيس الجمهورية، العودة الى رئاسة الوطن التي أصبحت من حقوقه ومن واجباته الذود عنها والكفاح لديمومتها السياسية!

ويعتقد الكثيرون ان الحملة الشعواء على الرئيس فؤاد شهاب هي انتصار له، وللجمهورية أيضا.

ويرى معظم زعماء البلاد، ان اتهام العهد بالفشل، بعد عام ونيّف على وجوده، هو انتصار للعهد ولسيّد العهد، وللذين يتهمونه بالفشل.

عندما انتقل الرئيس سليمان فرنجيه من بعبدا الى النقاش، بادره الرئيس السابق كميل شمعون بأنه تخاصم معه واتفق وإياه على انقاذ البلاد، وهذه شهادة على ان لبنان اقوى من المحن والازمات التي تحاصره من الجهات الأربع.

الأعجوبة الكبرى

ماذا حدث قبل ذلك؟

أدرك وزير الاقتصاد سليمان فرنجيه في حكومة الرئيس رشيد كرامي، ان معركة رئاسة الجمهورية في منتصف العام ١٩٧٠ تدور حول اسمه، خصوصا في تكتل الوسط الذي كان يضم الرئيس صائب سلام والعميد ريمون اده، ويرئس المجلس النيابي فيه الأستاذ كامل الأسعد.

في تلك الحقبة كان حظّ العميد ريمون اده في رئاسة الجمهورية كبيرا، لكن معارضة الرئيس السابق اللواء فؤاد شهاب والشيخ بيار الجميّل تقف حجر عثرة في طريقه، لكن كفّة ترشيح سليمان فرنجيه كانت ترجح فوزه بالرئاسة الأولى، لأن العصر الشهابي كان يلفظ أنفاسه، خصوصا بعد ازدياد الصراع بين الرئيس الشهابي والرئيس الوكيل شارل حلو، وسط معارك سياسية حول أزمة صواريخ الكروتال وسواها.

في تشرين الأول من العام ١٩٧٠، اجتمع تكتل الوسط بحصور صائب سلام وسليمان فرنجيه، وكان موقف زعيم المصيطبة يميل الى الوقوف الى جانب ترشيح العميد لأنه يحظى بتأييد كتل نيابية كبيرة، إلاّ أن نائب الكورة باخوس شاكر حكيم وقف بشراسة الى جانب ترشيح الوزير سليمان فرنجيه، خصوصا وان الأخير رشحه في معركة الكورة التي جعلته نائبا ضد النائب الآخر فؤاد غصن.

في أثناء الاجتماع، راح صوت النائب باخوس حكيم يعلو ويرتفع، في حين علم ان سليمان فرنجيه أوفد أحد كبار معاوني الرئيس شهاب اليه، طالبا تأييده. إلاّ أن فؤاد شهاب ردّ بوضوح انه مع ابن سركيس لا مع سواه، مع ان فرنجيه تعهّد بعدم محاربة ضباط الشعبة الثانية في حال أيّده شهاب.

وعند احتدام المعركة، احتشد في باحة ساحة النجمة عشرات الألوف مهدّدين بمعركة لا هوادة فيها، اذا ما تدخّل ضباط المكتب الثاني لصالح مرشح العهد السابق. ويوم الانتخابات حرص نائبا الكورة فؤاد غصن وباخوس حكيم على تأييد فرنجيه وجلس غصن الى جانبه، وأبرز له ورقة تحمل اسمه، قبل وضعها في الصندوقة، وجاءت نتائج الفرز ٥٠ صوتا لصالح فرنجيه مقابل ٤٩ صوتا ضدّه. إلاّ ان رئيس المجلس صبري حماده رفض اعلان نتائج الفرز، بينما أيّد نائبه ميشال ساسين فوز الرئيس فرنجيه، في حين خرج رئيس المجلس من القاعة الى مكتبه.

إلاّ ان الرئيس شارل حلو اتصل برئيس المجلس وطلب منه الرضوخ لنتائج المعركة، لأن فرنجيه فاز بنصف صوت على منافسه. وهكذا عاد صبري حمادة الى القاعة وأعلن فوز فرنجيه برئاسة الجمهورية، وتوجه الجميع الى القصر الجمهوري، واحتفلوا بفوز نائب زغرتا بالرئاسة الأولى، وانتهت معركة حياة أو موت قبل ان تبدأ.

وكان قبل الانتخابات موقف صريح للأستاذ كمال جنبلاط باقتسام أصوات كتلته النيابية بين المرشحين المتنافسين.

وما ان انتهت المعركة الرئاسية، حتى بدأت معركة تأليف الحكومة برئاسة صائب سلام، وأصبح معظم الذين أيّدوا فرنجيه يريدون الحكومة، ويريدون أيضا الثأر من العناصر الشهابية، وتجريد المعارك على ضباط المكتب الثاني وفي مقدمتهم العقيد كابي لحود والعقيد سامي الشيخه.

كبرت الشروط والشروط المضادة أمام الرئيسين سليمان فرنجيه وصائب سلام، وارتؤي تأليف حكومة الشباب من غير العناصر السياسية التي كانت تريد محاسبة جماعة المكتب الثاني.

حرص الرئيس سليمان فرنجيه على الاحتفاظ بالدكتور الياس سابا كوزير للمال، وجارى شارل حلو بتعيين المحامي خليل أبي حمد وزيرا للخارجية والدكتور اميل البيطار وزيرا للصحة العامة وساير صائب سلام بتعيين منير حمدان وزيرا للشؤون الاجتماعية.

حبس اللبنانيون أنفاسهم، لارتقاب تعيين خلفاء للمستقيلين من الوزراء وخصوصا اميل البيطار الذي قاد معركة خفض أسعار الأدوية، وعندما عمد رئيس الجمهورية الى تعيين أحد أبرز معارضيه في قضاء زغرتا وهو المحامي هنري طربيه وزيرا للاعلام، ارتاح الجميع وتنفسوا الصعداء وأدركوا ان رئيس الجمهورية آتٍ لانصاف الناس لا لمحاربة معارضيه.

إلاّ ان رئيس الجمهورية، اختار صديقه المحامي فؤاد نفاع وعيّنه وزيرا للزراعة، ثم اختاره وزيرا للخارجية في حكومة تقي الدين الصلح، وجعل من نجيب أبو حيدر وزيرا للتربية وكمال خوري وزيرا للأشغال العامة.

بعد حكومة الشباب طالب السياسيون ب حكومة سياسية فقام صائب سلام بتأليف حكومة ضمّت الدكتور البير مخيبر، وصبري حماده، والأمير مجيد ارسلان والسادة كاظم الخليل وجوزيف سكاف وادوار حنين وميشال ساسين وبيار حلو، اضافة الى خليل أبو حمد الذي احتفظ في معظم الوزارات بحقيبة الخارجية. وبرز في هذه الحكومة اسم النائب الدكتور جورج سعاده الذي كان يحظى بتأييد مزدوج من رئيس الجمهورية ومن رئيس حزب الكتائب اللبنانية الشيخ بيار الجميّل.

إلا أن خلافاً حاداً وقع بين فرنجيه وسلام، ادى الى استقالة رئيس الوزراء، وجرى تعيين الدكتور أمين الحافظ نائب طرابلس رئيساً للوزراء، لكن حكومته لم تصل الى المجلس، وبقي الوزيران السنيّان بهيج طبارة وزكريا النصولي وجهين بارزين من غير الفوز بتأييد البرلمان الى أن تألفت حكومة كل لبنان برئاسة تقي الدين الصلح، وتوزير الشهيد طوني فرنجيه والدكتور حسن الرفاعي.

وبرزت في العام ١٩٧٥ حكومة رشيد الصلح، اي حكومة نفوذ كمال جنبلاط الذي استطاع اقصاء الوزير الارثوذكسي الدايم وتعيين ارثوذكسي جديد هو الاستاذ عباس خلف.

إلا ان الحقيقة ان الوزراء في كل حكومة كانوا يطالبون بحكومة انقاذ برئاسة العميد الأول نور الدين الرفاعي، وتولى فيها العميد الركن موسى كنعان وزارة الاعلام والعميد فرنسوا جينادري وزارة العمل، لكنها سقطت على الطريق بين القصر الجمهوري ومجلس النواب.