IMLebanon

هدفنا الأمن الاجتماعي

 

 

نمرُّ في لبنان في فترة أزمة اجتماعية قوية عميقة وصامتة.  تتعدى الأزمة مأساة الأجور لتصل الى تمويل أقساط التعليم والتأمين الصحي والسكن وكافة تكلفة الحياة.  فالبرامج الاجتماعية بكافة أشكالها مهمة جدا وتخفف من أوجاع المواطن، لكن الأهم هو أن يستطيع الاقتصاد اللبناني تمويل التكلفة الاجتماعية من الداخل.  هذا لن يحدث اذا لم يحقق الاقتصاد نموا سنويا قويا يكون ما فوق الـ 5%.  لن تكفي قروض صندوق النقد الدولي ولا المساعدات العربية والدولية، على أهميتها وحجمها، لدفعنا نحو تحقيق هذه النسب الطموحة.  المطلوب رؤوس أموال كافية متنوعة من الداخل والخارح، من لبنانيين وغير لبنانيين للاستثمار في قطاعاتنا الاقتصادية كافة.  نقترح على الجميع التطلع نحو القطاع التكنولوجي الواعد والشركات الناشئة الطموحة التي لا تتطلب أموالا كبيرة انما أفكارا واسعة جديدة خلاقة وذكية.

مرَّ لبنان في أزمات كبرى أمنية واقتصادية واجتماعية، وبالتالي هنالك ضرورة لمعالجة أوضاع اللبنانيين.  لا يشعر اللبناني بالاطمئنان بالنسبة لأوضاعه المعيشية وبالتالي هنالك ضرورة قصوى للقطاع العام للتدخل، حتما ليس لوضع ضرائب جديدة على المحروقات أو غيرها، بل لايجاد الحلول النوعية والمادية للتحديات التعليمية والصحية التي يواجهها المواطن.  لا يمكن لأي دولة أن تدعي النجاح في سياساتها الاجتماعية اذا لم تهتم بأحوال الطبقات الفقيرة أو باللذين لم يستفيدوا سابقا من النمو الاقتصادي العام.  اذا لم ينعكس النمو على الفقراء وغير الميسورين، تتوسع الفجوات بين الطبقات الاجتماعية وينعدم الأمن الاقتصادي وبالتالي يحصل الخلل السياسي.

 

الاقتصادي الكبير الذي لفت نظر العالم الى مواضيع العدالة والتغذية والجوع والحرمان، أي أمن الفقراء، هو الذي فاز بجائزة نوبل للاقتصاد لسنة 1998 أي البروفسور الهندي «امارتيا سن» Sen.  هو أول اسيوي حمل هذه الجائزة السنوية التي تمنح من قبل المصرف المركزي السويدي علما أنه درس بنجاح وعمق في جامعتي هارفارد وكامبريدج.  كتابه «الفقر والجوع» الذي صدر في سنة 1981 كان أحد الأسباب الرئيسية لمنحه هذه الجائزة.  ما هي نظريات «سن» الرئيسية وما هي الدروس التي يمكن استخلاصها للبنان في هذه الفترة الانتقالية الحساسة؟

يقول «سن» مثلا ان عدم توافر الغذاء ليس السبب الرئيسي أو الأهم للفقر، اذ انه حصل حتى في الدول التي توافر فيها الغذاء كبنغلادش سنة 1974 عندما كانت كمية الغذاء المتوافرة للفرد الاعلى منذ زمن بعيد.  فالجوع لم يعد مشكلة غذاء بل اصبح، مع «سن»، قضية يجب حلها عبر العلوم الاقتصادية.  فالدخل ليس المقياس الافضل لمعيشة المواطن، اذ يمكن أن يحصل على منح أو مساعدات غذائية واجتماعية لا تدخل في صلب الدخل لكنها تساهم في تحسين وضعه الاجتماعي والمعيشي.

 

فالدخل لا يعطي أي فكرة عن سلة السلع والخدمات التي يمكن للمواطن شرأها كالتعليم والتطبيب والسكن.  بنى «سن» نظرياته على دراسات وافية لأوضاع الدول ذات الاقتصادات المتعثرة اجتماعيا.  قبله قال «كارل ماركس» ان التنمية الصحيحة تتلخص في استبدال سيطرة الظروف والحظ على الانسان بسيطرته عليها.  في لبنان اليوم، الأوضاع الاجتماعية لا ترضي المواطن والحلول الكافية غير متوافرة وبالتالي هنالك تشنج شعبي واضح لا يمكن حله الا عبر الحوار والوسائل المادية المعروفة.  لم يعرف لبنان بعد التنمية الصحيحة التي تكلم عنها «سن».

في أسواق الغذاء والأدوية، المطلوب المزيد من المنافسة والشفافية.  فالمشكلة تحصل عندما يقدم أي مواطن أو شركة على تخزين السلع والأدوية مما يسبب ارتفاعا في اسعارها.  تحصل أحيانا شائعات مغرضة حول امكان حصول نقص غذائي في الأسواق.  يقول «سن» ان أهم ما يملكه الانسان العادي خاصة في الدول النامية هو استعداده للعمل مقابل أجر يسمح له بشراء أدنى حاجاته وخاصة غذائه.  فالبطالة تؤدي عموما في الدول النامية الى الجوع لافتقارها لمؤسسات الضمان الاجتماعي الفاعلة.  أما اسواق المال فليست فاعلة أي لا تفسح المجال للمواطن للتوفير والاقتراض.  أزمتنا المصرفية أعادتنا عقودا الى الوراء ولا مسؤول حتى اليوم.  أما الأمراض والحروب فتشكلان عائقا أمام الانتاج والتوزيع الغذائيين وتساهمان بالتالي في تسبب الفقر وامتداده الى بقع جغرافية واسعة.

يتكلم «سن» عن أهمية الديموقراطية كنظام سياسي يجنب الشعب الحرمان والفقر.  هل نعيش في لبنان في نظام ديموقراطي حر وشفاف يحمي حقوق المواطن؟  لا يمكن لأي حكومة في نظام ديموقراطي أن تتحمل شعبيا حصول مجاعة.  أما الحرية الصحافية الموجودة في الدول الديموقراطية فتشكل القوة الضاغطة على الحكومة لتحل مشكلة الفقر.  اعتماد الهند مثلا للنظام الديموقراطي كان احد الأسباب المهمة لعدم حصول مجاعات بالرغم من النمو السكاني الكبير.  كتب «ماو تسي تونغ» في سنة 1962 بعد المجاعة الصينية: «وحده النظام الديموقراطي يسمح للحكومة بمعرفة ما يجري في أسفل المجتمع»، وكان حتما على حق.

ما هي السياسات الرئيسية الاجتماعية التي يمكن اتباعها في الدول النامية وتساهم في تثبيت دور الدولة الاجتماعي والغذائي والانساني؟  المطلوب ممارسة أفضل للقطاع العام في تثبيت الديموقراطية وتقويتها والاهتمام بشؤون الفقراء، كما في اعتماد أفضل السياسات الاقتصادية وخاصة الزراعية.  تدل دراسة للبنك الدولي اجريت على 18 دولة من 1960 الى 1983 على ان هذه الدول لم تحسن ادارة قطاعها الزراعي حيث فرضت ضرائب مباشرة وغير مباشرة على انتاجها الزراعي.  من الضرائب غير المباشرة اعتماد اسعار صرف اصطناعية أي مرتفعة كما وصول المساعدات والموارد المختلفة الى المزارعين الأغنياء فقط.

ضمان أمن الفقراء لا يتعارض مع النمو النوعي الطويل الامد ومع حماية البيئة بل على العكس يقويهما.  انفتاح المجتمع النامي على الاسواق الخارجية كفيل أيضا بتجنب حدوث أزمات اجتماعية كبرى.  أما زيادة العرض الغذائي، فمطلوب جدا عبر الانتاج والاستيراد وحسن التوزيع.