IMLebanon

مصير لبنان بعد حرب فرضتها إيران

 

 

إذا كان إتفاق القاهرة المشؤوم، الذي وقعه لبنان مع منظمة التحرير الفلسطينية في تشرين الثاني- نوفمبر 1969، أخذ لبنان إلى حرب آهليّة بدأت في 13 نيسان – أبريل 1975، يبدو السؤال الآن، بعدما فتح «حزب الله» جبهة الجنوب مع إسرائيل، إلى أين يبدو لبنان ذاهبا؟

 

هل لا يزال لبنان، بصيغته الحاليّة، بلدا قابلا للحياة، خصوصا في ضوء قرار أيران بتوريطه مباشرة في حرب مباشرة مع إسرائيل بحجة «مساندة غزّة؟

 

لم يغب لبنان الرسمي عن إتفاق القاهرة الذي اضطر رئيس الجمهورية الماروني شارل حلو إلى القبول به في ظلّ ضغوط مارسها رئيس الوزراء السنّي رشيد كرامي. لا يوجد في لبنان حاليا من يمسك بالقرار الرسمي، قرار الدولة اللبنانيّة، سوى «حزب الله» الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري الإيراني». بعث الحزب إتفاق القاهرة الذي يشرّع سلاحا غير سلاح الجيش اللبناني. فعل ذلك عبر فرض صيغة «الشعب والجيش والمقاومة» التي تعني بين ما تعنيه مصادرة قرار الحرب والسلم في لبنان بواسطة السلاح الإيراني.

 

هناك قرار أيراني ينفّذه «حزب الله» الذي يشترط  صيغة «الشعب والجيش والمقاومة» على أي حكمة تشكّل. من دون هذه الصيغة التي تُدرج في البيان الوزاري للحكومة، لا يمكن أن تتشكّل في لبنان حكومة، مثلما لم يعد ممكنا إنتخاب رئيس للجمهوريّة.

 

يمكن إعتبار قرار فتح جبهة جنوب لبنان، بحجة دعم غزّة، أسوأ من إتفاق القاهرة الذي تسبب بحرب صيف 1982 واجتياح إسرائيل للبنان وقضائها على صيغة العيش المشترك في غير منطقة فيه.

 

جاء فتح جبهة الجنوب نتيجة تراكمات عمرها سنوات. من بين التراكمات التورط المباشر للحزب في الحرب السوريّة الدائرة منذ ثلاثة عشر عاما بين النظام والشعب السوري. لا يمكن الحديث فقط عن قرار إيراني باستخدام «حزب الله» في سوريا من أجل بقاء بشّار الأسد في دمشق. لا يمكن ذلك بعدما لعب مقاتلو الحزب دورا في غاية الأهمّية في تغيير التركيبة السكانية، من منطلق مذهبي، لمناطق سورية معينة بما في ذلك دمشق نفسها وعلى طول الحدود اللبنانيّة – السوريّة. أكثر من ذلك، ما حدث كان تورطا عسكريا في سوريا ألغى الحدود بين البلدين من جهة وأكّد تفوق الرابط المذهبي، وهو الرابط بين الحزب والنظام الأقلّوي في سوريا، على كلّ ما عداه.

 

تبيّن كم كان الملك عبدالله الثاني بعيد النظر عندما تحدّث منذ خريف العام 2004، بعيد سقوط العراق في يد إيران، عن «الهلال الشيعي» الذي يمتد من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق. لم يكن العاهل الأردني يقصد بذلك الطائفة الشيعية بأي شكل بمقدار ما كان يتحدث عن المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة ببعده الفارسي. إنّه مشروع لم يكن ممكن التحقيق، على أرض الواقع، لولا الإجتياح الأميركي للعراق في عهد جورج بوش الإبن.

 

مع فتح جبهة الجنوب، لم يعد مصير لبنان مرتبطا بترتيبات أمنيّة ستسعى إسرائيل إلى فرضها بالقوة مستقبلا. يتجاوز الأمر جنوب لبنان بكثير، خصوصا أن الضربة الإسرائيليّة الأخيرة في داخل دمشق استهدفت قادة «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني. هؤلاء القادة مسؤولون مباشرة عن جبهات سوريا ولبنان وفلسطين واليمن وهم وراء كلّ ما له علاقة بالتآمر على الأردن من أجل زعزعة الإستقرار في المملكة الأردنيّة الهاشميّة.

 

من هذا المنطلق، يبدو فتح جبهة جنوب لبنان أخطر بكثير على لبنان من إتفاق القاهرة والنتائج التي ترتبت عليه، بما في ذلك إنفجار الوضع في   نيسان – أبريل 1975.

 

معروف كيف بدأت حرب غزّة يوم السابع من تشرين الأوّل -اكتوبر الماضي عندما شنت حركة «حماس» هجوم «طوفان الأقصى» الذي غيّر المنطقة كلّها كما غيّر إسرائيل نفسها حيث جنون ليس بعده جنون على الصعيد الداخلي في الدولة العبريّة ووحشية ليس بعدها وحشيّة في التعاطي مع الفلسطينيين… وحتّى مع جمعيات خيرية غربية مثل جمعية «المطبخ المركزي الدولي» التي راح سبعة من أعضائها ضحية الممارسات الإسرائيليّة في غزّة.

 

ما ليس معروفا كيف يستطيع لبنان فكّ إرتباطه بحرب غزّة وهل من مجال لفكّ هذه الإرتباط في غياب القرار السيادي اللبناني. المؤسف أنّ لبنان، الذي فقد سيادته وقراره المستقلّ، صار جزءا لا يتجزآ من حرب غزّة. صار أيضا جزءا من الحرب الإيرانيّة – الإسرائيلية التي يعبّر عنها تدمير القنصلية الإيرانيّة في دمشق أفضل تعبير.

 

مع إطلاق الصواريخ الإسرائيلية الست على القنصليّة الإيرانيّة في دمشق، لم تعد الحاجة إلى التساؤل لماذا ذلك الغياب لكلمة باسم النظام السوري في الإحتفال بـ»يوم القدس» في بيروت. هذا النظام حاضر أكثر من أي وقت في داخل «جبهة الممانعة» ولكن بصفة كونه محتضنا كلّيا من «الجمهوريّة الإسلاميّة» وأذرعها. تذهب الحكومة السوريّة كلها برفقة رئيس الوزراء حسين عرنوس إلى السفارة الإيرانيّة للتعزية بالذين قتلوا في ضربة القنصليّة. في المقابل، لا وجود لمن يعزّي سوريا بفقدانها سيادتها وتحولها إلى حقل رماية إسرائيلي… ولا من يعزي لبنان. ثمة حاجة إلى من يعزي بلبنان بعد تحوله، بأكثرية مواطنيه، إلى مجرّد متفرّج على عملية تستهدف تحويل جنوبه إلى أرض طاردة لأهلها، بمن في ذلك الشيعة!

 

لم يتعلّم اللبنانيون شيئا من توقيع إتفاق القاهرة. لن يتعلّموا شيئا من قرار فتح جبهة جنوب جنوب لبنان من دون سبب سوى الأجندة الإيرانيّة التي لا همّ لها سوى الدفاع عن مصالح «الجمهوريّة الإسلاميّة» لا أكثر. في 1975، ذهب اللبنانيون إلى حرب أهليّة… إلى أين ستأخذهم الحرب الدائرة حاليا مع إسرائيل وهي حرب إتخذت إيران، ولا أحد غير إيران، قرارا بفتحها؟