يواصل الجيش اللبناني تنفيذ الاتفاق المتعلق بجنوب الليطاني وسط إشادة دولية واضحة بدوره في تفكيك البنى العسكرية لـ “حزب الله” في المنطقة. وفق المعلومات المتوافرة، فإن الجيش تسلم عشرات المواقع التي كان “الحزب” قد بناها على مدى السنوات الماضية، في خطوة تعكس مساراً تدريجياً لاستعادة الدولة سلطاتها على امتداد الجنوب اللبناني.
ويظهر أن التركيز الأميركي الحالي منصب على تنفيذ الاتفاق جنوب الليطاني كأولوية، إلا أن ذلك لا يعني إسقاط الشق المتعلق بسحب السلاح من شمال الليطاني أيضاً. فالتعاطي الدولي مع هذا الملف يتم بآلية واضحة، تقوم على خطوات متتالية تهدف إلى إعادة بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وليس فقط في بقعة جغرافية محددة.
وعلى هامش هذه المعادلة، يتم التواصل بين الجهات الدولية والسلطات اللبنانية، ممثلة بالرئيسين جوزاف عون ونواف سلام، عبر قنوات مفتوحة، ما يعكس مستوى عالياً من التنسيق. ويؤكد المتابعون أن هذا التعاطي المستمر يؤشر إلى أن المجتمع الدولي ملتزم بتنفيذ الاتفاق وفق الآليات المتفق عليها، بعيداً عن أي تصعيد أو مواجهة مباشرة مع الأطراف المحلية.
على عكس التوقعات التي كانت تشير إلى إمكانية وقوع صدامات إعلامية وسياسية حول تنفيذ الاتفاق، يتم التطبيق عملياً بعيداً عن الأضواء. فالجيش ينفذ مهماته بعيداً عن أي ضجيج، ما يعزز فرص نجاح هذه العملية التي تعتمد على خطوات محسوبة بدقة، لضمان عدم انزلاق الوضع نحو أي توترات غير مرغوبة.
ويبدو أن هذه الدينامية باتت كلّاً لا يتجزأ، إذ لا يقتصر الأمر على جنوب الليطاني، بل إن الدولة اللبنانية تعمل على استعادة سلطاتها على امتداد الجغرافيا الوطنية، من طريق المطار إلى الحدود. هذه العملية تتم تدريجياً، وبما يتناسب مع الظروف السياسية والأمنية، حيث يبدو واضحاً أن لا رجعة عن هذا المسار الذي يحظى بدعم داخلي وخارجي.
في ظل التطورات الحالية، تشير المعلومات إلى أن “حزب الله” لا يمتلك هامشاً واسعاً لاستثمار المرحلة في أي محاولة لخلق حالة من الفوضى أو التعطيل. فالتغييرات الجارية ليست مرتبطة بأحداث عابرة، بل تأتي ضمن مسار مدروس يتم تنفيذه بشكل ممنهج، ما يعني أن مرحلة ما بعد تشييع الأمين العام لـ “الحزب” لن تكون مختلفة عن التي سبقتها، خصوصاً مع استمرار الضغوط الداخلية والخارجية لضبط الوضع وإعادة ترتيب الأولويات الوطنية.
إنها رحلة الألف ميل نحو استعادة لبنان نفسه، على طريق الخروج من السجن الكبير.