IMLebanon

خطاب «التَّفليسة»!

بعد خطاب الأحد الماضي لأمين عام حزب الله، والذي بدا خطاباً تصحيحياً لخطأ خطابه السابق ومحاولة واهية لإقناع أهل السًنّة في العالم العربي، وأنّه لولا «حزب إيران» لتصدعّت الدّور والقصور وانتهكت الأعراض وسُبيَت النساء، ولولا الحزب الذي لا يأخذ أوامر من إيران بل «فتوى شرعيّة» تُحلّل له القتل على امتداد بلاد الشرق والغرب والهند والسند وهلمَّ جرّاً!!

»هذه شنشنةٌ نعرفها» يا سيّد، إذ لطالما كانت بلاد الحرمين الشريفين هدف إيران الأسمى لاحتلالها، لم يأتِ أمين عام حزب الله بجديد فكلّ ما قاله ويقوله وسيقوله عن المملكة العربية السعودية سبقه إليه الخميني منذ العام 1978، وهتاف «الموت لآل سعود» عمره أربعة عقود وليس وليد خطابات أمين عام حزب الله منذ آذار العام الماضي مع «تلقيه صدمة التنابل» الكبرى مع بدء عمليا عاصفة الحزم وهدم كلّ ما فعلته إيران في اليمن، في خطاب الأحد الماضي تمّ كتم هتاف «الموت لآل سعود»، اكتفى ناقلو الصورة بالصلوات على محمد وآل محمد، وبالغضب والصراخ على وجه وعبر صوت الأمين العام.

قبلَ الذهاب إلى البوسنة والهرسك، إن تقديم أمين عام حزب الله لرواية عن حرب حزبه في البوسنة لا يعني أبداً أنّ هذا هو التأريخ الحقيقي لِمَ فعله حزب الله في البوسنة، فهذه مجرّد رواية «يُركّب» فيها الأمين العام «أُذُن جرّة» المصلحة الإيرانيّة كيف يشاء!! ولا بُدّ لنا هنا من الإشارة إلى إغفال أمين عام حزب الله ذكر انخراط حزبه في الحرب العراقيّة ـ الإيرانيّة، ولماذا شارك الحزب في الحرب الفارسية المقدّسة على العراق الذي لم تنسَ أن كسرى سقط عند قادسيته، أمّا بخصوص البوسنة فنقول وباختصار؛ سعت إيران إلى البوسنة ليتسنّى لها التسلّل عبرها إلى تركيا لنشر التشيّع في آستانة أرض الخلافة العثمانية، فالثأر الصفوي الإيراني من خلافة العثمانيين ما زال قائماً، تماماً مثل الثأر من العراق والعرب والإسلام في «عراق الفتن وأصل الشقاق ومعدن الكذب والنفاق»، وهذا سجالٌ لا طائل من الإنخراط فيه مع حزب الله لأنّنا في هذا المقام سنتعامل مع حال تعرف بـ»فالج لا تعالج»!!

وبدلاً من تضييع الجهد في تحليل وقراءة ما قاله الوكيل، نرى أنّ العودة إلى الأصيل ستكون أجدى، لا بدّ من استحضار الخميني من العام 1978 وموقفه من السعودية وآل سعود، وأحداث انتهاك الإيرانيين لأوامر الله في الحجّ قاموا بانتهاك حرمة الحرم المكيّ وسقط مئات القتلى والجرحى تحت مسمّى «البراءة من المشركين»، فيما تتصدّر تظاهرة مكّة صور الخميني في البيت الحرام!!

وهذه ليست المرّة الأولى التي يتآمر فيها الفرس لتدنيس البيت الحرام وانتهاك حرمته في انتظار أن يقوم»مهدي إيران» بتهديمه، فقد سبق وتآمر الصفويون مع البرتغاليين ضد الدولة العثمانية في جنوب الجزيرة العربية مع معرفتهم بمخطط البرتغاليين لاحتلال مكة والمدينة ونبش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وسرقة جثمانه الشريف ومساومة المسلمين به على بيت المقدس، ونورد نص الرسالة التي أرسل بها «البوكيرك» ـ قائد الجيوش البرتغالية ـ إلى الشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية: «إني أقدر لك احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقضّ على بلاد العرب أو تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدّة أو في عدن أو في البحرين أو القطيف أو البصرة وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي وسأنفذ له كل ما يريد».

تاريخ الفرس البائس يكُرّر نفسه وبعد كل صعود وطغيانه ينزل الله بهم وبمن معهم نكبة أو قارعة تعيدهم قروناً إلى الوراء، فيهمدون قليلاً إلى حين إعادة تكرار المحاولة من جديد، وها هي تجربة صعود الخميني وامتداد أذرع نظامه متمددة في كلّ المنطقة ومع ذلك كل هذه الأذرع الشيطانيّة ستقطع، لأن التاريخ سيعيد نفسه، وفارس ستسقط مجدداً في «قادسيّة» جديدة.

بعد الشغب الذي حدثه الإيرانيون في مكة المكرمة عام 1978، وهو يشبه حال التدافع التي وقعت في منى في حج هذا العام، إيران ليست بريئة من التخطيط لتطالب بوضع اليد على الحرمين الشريفين، وللذاكرة نسوق هنا بعض ما قيل في احتفال رسمي وجماهيري أقيم في عبدان في 17 آذار من العام 1979 تأييداً لإقامة الجمهورية الإسلامية، وفي كلمة الدكتور مهدي صادقي وهي خطبة وصفت بأنها مهمة وخطيرة، جاء فيها: «أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم الله يحتلها شرذمة أشد من اليهود»، هذا الكلام الذي يصدر اليوم عن أمين عام حزب الله ليس بجديد بل قديم جداً منذ قيام جمهوريّة الخميني الذي قال بعد أحداث مكّة واكتشاف المتفجرات التي كان ينقلها إيرانيون بصفتهم «حجّاج» وألقي القبض عليهم في مطار جدّة وحمى الله حرمه الشريف، فللبيت ربّ يحميه، أما الخميني فله رأي آخر إذ قال في الذكرى الأولى لأحداث مكّة «سنطفئ غيظ قلوبنا بإذن الله في الوقت المناسب بالانتقام من أميركا وآل سعود، وسنحول حلاوة هذه الجريمة الكبرى حرقة وحسرة في قلوبهم، وسندخل المسجدَ الحرامَ مع الاحتفال بانتصار الحق على جنود الكفر والنفاق، وتحرير الكعبة من أيدي من ليسوا أهلاً، من ليسوا من محارمها وخاصتها»، أمّا آية الله العظمى حسين الخراساني وفي كتابه «الإسلام على ضوء التشيع» فقد رقال: «إن كلّ شيعي على وجه الأرض يتمنى فتح وتحرير مكة والمدينة وإزالة الحكم الوهابي النجس عنها»!!

حتى علي أكبر رفسنجاني الذي يصنف اليوم إصلاحياً كان رئيساً للجمهوريّة فقد هدّد السعودية باحتلال الحرمين الشريفين، في حديث لجريدة «اطلاعات» بتاريخ 14 كانون الأول 1987 فقال: «إذا كان علماء المسلمين في العالم غير مستعدين لتقبل مسؤولية إدارة مكة المكرمة فإن جمهورية إيران الإسلامية لديها الاستعداد للحرب من أجل تحرير هذا المكان المقدس»!!

باختصار شديد، هذا هو المشروع الإيراني احتلال الحرمين الشريفين، وهو معلن على رؤوس الأشهاد منذ مجيء الخميني، وكل الجهد الإيراني طوال أربعة عقود والتمويل والتسليح وزعزعة استقرار الدول، كلّه طريق مشتْه ليوصلها إلى أرض الحرمين، فكفى يا حضرة الأمين العام تقفز بنا من البوسنة إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن، هذا هو مشروعكم وهذا هو هدفكم، ولن يكون مثل إيران ومثلكم عند الله إلا كمثل أصحاب الفيل، ومشهدكم «كعصف مأكول» بات قريباً جداً.. وجداً.