IMLebanon

سعي فرنسي محموم بحثاً عن دور

 

 

 

لم يسبق لديبلوماسي أن قام بزيارة خالية الوفاض كما فعل وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في زيارته الأخيرة لبيروت. كان بإمكان رئيس الديبلوماسية الفرنسية أن يرسل أحد مساعديه لبحث الاقتراحات مثلاً والتحضير لزيارة منتجة، أو التعبير عن رغبته برحلة استجمام ليزور البلد من دون غطاء ديبلوماسي طالما أن حقائبه الديبلوماسية فارغة. أما أن يزور بيروت بعد بضعة أيام من لقاء الرئيس الفرنسي والرئيس نجيب ميقاتي في الشانزليزيه من دون أن يحمل جديداً أو قديماً، فهو ما شكل صدمة حقيقية لمن وجدوا أنفسهم يتساءلون، عقب اجتماعه بهم، عن الهدف الحقيقي من هذه اللقاءات، ظناً منهم أن ثمة قطبة مخفية لم يفهموها.في خلاصة المطّلعين أن فرنسا حاسمة وجازمة بنيّتها تثبيت موطئ قدم لها في لبنان، بمعزل عن رأي جميع اللاعبين المحليين والدوليين، وسواء بالتنسيق مع الولايات المتحدة ورضاها أو من دونهما. أما وسائلها لتحقيق ذلك فهي المعضلة الكبرى: ففي وقت تستثمر فيه الولايات المتحدة نحو مليار دولار سنوياً في تحصين نفوذها في لبنان، وتملك قطر والإمارات والسعودية سلاح الترغيب المالي، تعوّل باريس على ابتسامة من هنا وغمزة من هناك وتأخير منح تأشيرات الدخول إلى بلاد الـ«شنغن» أو توقيف السياسيين الداخلين إلى أراضيها بضع ساعات بحجة وجود تشابه في الأسماء.

وفي ظل النفور المسيحي عموماً، والبطريركي خصوصاً، من موقف الشانزليزيه من ملف النازحين السوريين، تبدو باريس كطفل يصرّ على دمية لا يمكنه الحصول عليها، ولن يشتريها أحد له. فلا الولايات المتحدة في وارد تجيير نفوذها أو طموحاتها للفرنسيين ولا أيٌّ من الدول الخليجية أيضاً. والمؤكد أن ثمة عقدة استعمارية فرنسية تحتاج إلى علاج، إذ تعتقد باريس بأن لها حقاً مكتسباً يكفي أن تطالب به لتناله. واللافت أن زيارة الوزير الفرنسي تزامنت مع عودة الحديث عن أسماء فرنسية – لبنانية للرئاسة الأولى، تتراوح بين من لم يقبل الأفرقاء اللبنانيون بتوليهم وزارة أو حاكمية مصرف لبنان، وبين أخرى تنبشها باريس من تحت غبار كثيف تكدّس فوقها، فيلتبس عليها الأمر بين حاجة البلد إلى رئيس للجمهورية وحاجته إلى أستاذ تاريخ أو رجل أعمال إضافي.

تعتقد باريس بأن لها حقاً مكتسباً يكفي أن تطالب به لتناله

والواضح من بعض الأسماء التي عاد التداول بها على وقع الحراك الفرنسيّ الفارغ الأخير أن الفرنسيين يخلطون بين السياسة والـ«بيزنس» بشكل كامل، وبين بناء النفوذ ومصادرة الثروات، مسجّلين عبر هذه الطروحات غير الرسمية تراجعاً عما أظهروه من واقعية سياسية في المرحلة السابقة، وهو ما يدفع إلى القول إن أمام الديبلوماسية الفرنسية فرصة حقيقية للقيام بدور ما في حالت تراجعت خطوات إلى الوراء لتعيد ترتيب أوراقها على الشكل الآتي:

1 – إنهاء سياسة المكابرة في ما يخص سوريا، إذ لا يعقل أن تتغير مواقف معظم الدول العربية تجاه دمشق بموافقة أميركية، فيما تمضي باريس في المكابرة، مفترضة أن بوسعها، عبر إعلان الحرب بشكل متواصل على سوريا، مزاحمة النفوذ الروسي في المنطقة من البوابة اللبنانية.

2 – العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر لجهة التعامل الإيجابي مع قوى المقاومة في المنطقة وفق مبدأ الاعتراف بأحجامها الحقيقية بدل التهويل عليها بائتلافات دولية ضد الإرهاب تارةً، وبالعضلات الاسرائيلية الخائرة طوراً.

3 – وصل ما انقطع مع الأفرقاء المسيحيين جراء التشاوف السياسي من جهة، والإصرار على إبقاء النازحين السوريين في لبنان من جهة أخرى.

4 – تحديد حد أدنى متفق عليه مع كل من الولايات المتحدة والسعودية بدل استمرار التكاذب بين بعضهم بعضاً.

5 – تحديد ما تريده فرنسا فعلاً من لبنان: نفوذ سياسي أم تحقيق مصالح مالية لشركاتها أو غيره؟

رغم ذلك، فإن إعادة التموضع الفرنسي لا تعني بالضرورة نجاح فرنسا في تحقيق طموحاتها، لكنها تسمح لها بالدخول بطريقة صحيحة إلى الملف اللبناني، ومن بابه الرئيسي لا من نوافذه الخلفية.