IMLebanon

صمدتُ في لبنانهم

بدأت زيارتي الأخيرة للبنان في مكان صعب لأن بيروت لا تزال تغرق أكثر فأكثر في السلبية نتيجة المأزق السياسي الداخلي الذي تزيد حدّته التطورات الإقليمية التي تُهدّد بانتقال حمام الدماء إلى لبنان.

لكن الأمور تبدّلت، وكأنه تدخّل إلهي هدفه إعادة إحياء شيء من الإيمان بالبلاد والطيّبين القلائل المتبقّين فيها.

ربما عليّ أن أعترف لشمس بيروت وقمرها بفضلهما في الإشراق عليّ وإشعاري بالراحة كما كان يحصل في الزمن الغابر. كان أبناء البلد الذين صادفتهم لطفاء وكثيري الكلام، وقد بدوا منطقيين للمرة الأولى منذ وقت طويل. كما في الأزمنة القديمة، امتزجت ثقافات متعدّدة في بوتقة انصهار دافئة ومضيافة.

كان المسلم يتّصل بي من جديد باعتزاز بعد انتهائه من أداء الصلاة.

وكانت السيدة المسيحية تتباهى بزينة عيد الميلاد الجميلة فيما تبدي سرورها بحلول موسم الأعياد.

ورحّب بي الدرزي بذراعَين مفتوحتين.

وأحبّني الملحد كأنني المخلوق الوحيد في العالم.

وحضنني الأرمني بحنان.

والصديق الموثوق به الذي كان قد فقدَ كل أمل من قبل، أعرب عن إيمان صادق وعميق بأن كل شيء سيكون على ما يرام.

لقد اجتمعوا كلهم معاً في أنشودة سلام وأمل من أجل غدٍ أفضل على رغم كل الكراهية والبشاعة.

وكأنه تكوّن لدينا إدراك جماعي أننا لسنا مختلفين، وأننا فقط جاهلون تارةً وأنانيون طوراً، لا بل حمقى لأننا لا نقدّر ما نملك.

نحتاج إلى قادة جدد، ورؤى جديدة، وأنماط عمل جديدة. لبنان المعافى الذي نطمح إليه ملكٌ للشباب وينتظرهم في أعالي الجبال، وفي الوديان والسهول وسواها من الأماكن في الطبيعة. ليست للبنان صناعات يتباهى بها ما عدا السياحة والضيافة. لا يُصنِّع سيارات ولا أسلحة ولا صواريخ، لكنه يملك أدمغة لا مثيل لها، ويتقن أبناؤه تحضير التبولة الشهية. يتميّز لبنان بفاكهة التفاح والكرز والتين التي تثير غيرة الجميع. الأدمغة اللبنانية منتشرة في مختلف أنحاء العالم وتلمع في مختلف الميادين في حين أن الساسة الصغار في الداخل يتقاذفون الاتهامات السخيفة ويحتجزون بلداً بكامله رهينة.

فرحت كثيراً بزيارتي الأخيرة للبنان لأنها فتحت عينَيّ على الحقيقة، فنحن شعب يحب الحياة، نحن محاربو الضوء، وأعدادنا كبيرة. نحن حرّاس هذه الأرض، وحذارِ أن يحلم أحد بانتزاع هذه الصفة منا. ليس الوقت مناسباً لليأس والاستسلام، بل علينا أن نتمسّك بما نؤمن به، ونرفع معنويات بعضنا بعضاً ونمضي قُدماً. لا يمكننا أن نصمد ونستمر في لبنانهم إلا بالتمسّك بلبناننا.