IMLebanon

وقف نزيف القتل بـ«انتفاضة» مسيحية – اسلامية» تعلق المشانق

تراكم الجرائم في لبنان يقودنا إلى الانكباب على قراءة أسبابها ومعانيها، وقد كانت جريمة قتل روي الحاموش أفظعها وأعتاها بالطريقة والأسلوب وعلى مرأى كثيرين. منذ هابيل وقايين والجرائم مستمرة. قايين قتل أخاه بظنّ وغيرة أنّه مودود الله وحبيبه أكثر منه، وما كان هذا واردًا في عقل الله وفكره بحسب الكتاب. أسباب القتل كثيرة منها الغضب المتفّلت الذي يبلغ بصاحبه حدّ إلغاء كلّ آخر من أمامه، والإلغاء الفكريّ والمعنويّ يوازي بثقله الإلغاء الجسديّ. الغضب المتفلّت خطير على صاحبه وخطير على الاخرين. الخوف من الآخر والغيرة منه والشعور بعقد النقص عوامل تبلغ حدّ القتل، ويميل العلماء إلى الاعتبار بأنّه قد يبلغ به إمّا إلى قتل الآخر أو إلى الانتحار. التمزّق الأسريّ، عدم الاكتراث بالأولاد، استعمال الأطفال بدافع التسوّل لصالح عصابات، الفقر المدقع، كلّها عوامل تقود إلى استجماع العنف والنقمة واحتشاد عناصرهما في الذات البشريّة بلوغًا إلى الانفجار المجتمعيّ والإنسانيّ.

لماذا جريمة قتل روي الحاموش عاتية بارتدادتها وتداعياتها؟ لأنها بالدرجة الأولى دلّت على وحشية إنسان قاتل يعيش خواءً فكريًّا وأخلاقيًّا، وينتج الخواء غالبًا من تمزّق رهيب أوصله وأودى به إلى تلك النتيجة أي أنه صار مجرمًا. في الوقائع البادية أمامنا أن روي ورفيقه قالا ما يقله معظم الناس حين تتجاوزهم سيارة بطريقة عشوائيّة، هذا المجرم بدلاً من أن يتغاضى عن الموضوع ويعتبره سخيفًا وساذجًا طارده من أدونيس إلى الكرنتينا وطوال المسافة كان يطلق عليه النار من مسدسه. وحين حاصر روي ورفيقه أخرجه من السيارة وأطلق على رأسه النار، فأمسى القتل متعمّدًا تنطبق عليه المادة 549 عقوبات التي تحكم على المجرم بالإعدام.

فظاعة الجريمة تصاحبها جريمة قتل جورج الريف على مرأى من الجميع، وقد قتله المجرم بطعنات خنجره وبوحشّة فائقة ومن دون التجاوب مع استغاثة زوجته، تجعل المشهد اللبنانيّ برمته مريبًا ومكشوفًا على المستوى الأمنيّ والأخلاقيّ. والخطورة أنّ المجرمين يتنقلون وينقضون على ضحاياهم ضمن مساحة واسعة وظاهرة ولا يأبهون لا لمحاكمة ولا لدولة ولا لشيء، لظنهم بأن أحزابهم حماتهم، والغطاء لن يكشف عنهم، من قتل روي أو قتل جورج وآخرين، يدلّ على أزمة أخلاقية، تعصف في علاقة المواطن مع الدولة الشديدة الخلل، ويشتدّ هبوبها حينما تظهر السلوكيات بأنّ ثمّة من يتصرّف فوق الدولة وفوق القانون ويستهلك كلّ شيء، مشهد لبنان قاتم، وهذا ما يقود إلى التساؤل ما هي آفاق الحلّ الممكنة لقمع الجريمة بأصلها وإدخال الأمن والأمان إلى لبنان؟

آفاق الحلّ وبرأيي خبراء في علم الجريمة مرسومة على النحو الآتي :

1-العودة إلى حكم الإعدام وتعليق المشانق. لقد برزت مواقف روحية تنتقد هذا التوجّه وهي على حقّ في المطلق. ذلك أنّ لله وحده السلطان على الأحياء والأموات، وللرب وحده المسكونة وكلّ الساكنين فيها. وعلى الرغم من سموّ الموقف الروحيّ ورفعته النابذ للقتل والردّ على القتل بالإعدام اي القتل، فقد بات لزامًا طرح السؤال التاليّ ما هي الخطوات الرادعة التي تمنع المجرمين من استكمال جرائمهم على المستوى الروحيّ؟ هل نجح الأسلوب الروحيّ الراقي بالردع؟ ما هو موقف الكنيسة عندما تتسّع رقعة الجرائم وما هو موقف الإسلام أيضًا؟ لقد تمّ انتقاد كاهن روسيّ وهو الأب شابلين لأنه قال بأن قتال المنظمات التكفيرية واجب مقدّس، ومع الاعتراف بأن لا قدسية للحروب، غير أنّ الواجب الأخلاقي يفترض الدفاع عن الضعفاء من وحوش يستبيحون بيوتهم وقراهم ومدنهم ويقومون بقتلهم. وإعدام المجرم في الوقت عينه واجب قانونيّ وأخلاقيّ يفترض ان يكون برضى الكنيسة والجامع حتى نتطهر من هذه الدمل الفاتكة بنا «وعلى عينك يا تاجر»، كما حصل مع روي وجورج وسواهما. وبخاصة في جرائم التي تطال النساء المعنفات في لبنان. حين علّق العميد ريمون إدّة عود المشنقة في بيروت وقد كان وزيرًا للداخلية وأعدم التكميل، بطلت الجريمة وساد الأمان، وحين علّق الرئيس الياس الهراوي العود عينه تضاءلت نسبة الجرائم، الألية الرادعة للجريمة تطبيق عقوبة الإعدام.

2-انتفاضة مسيحية-إسلامية لا تدين الجريمة والإرهاب، ولا المجرمين والإرهابيين، فتكتفي بحدودها، إنها انتفاضة تبلغ حدّ الثورة على كلّ ظلم وإرهاب وقتل وتكفير، ثورة في المعنى الدينيّ المتراخي أمام هذه المشاهد العنيفة. ومن شأن هذه الانتفاضة أو الثورة في المعنى ان تتماهى مع السلوك القانونيّ والقضائيّ بل ان تكون وعاءً له تتشدّد به ومعه في قمع المجرمين والإرهابيين وسوقهم إلى العقاب. وفي بلد كلبنان يفترض بالكنيسة والجامع الحراك السريع نحو هذا الاتجاه. وتستند تلك الانتفاضة بدورها على النتائج البادية من البيت إلى المنازل، كما تنطلق بنقد ذاتي وبنيويّ لكلّ أشكال السلوكيات المندرجة في عالم الاستهلاك، الظالمة للفقراء والمساكين وكأنها تبيح سلفًا لهم أن ينتفضوا، فبدلاً من أن يكونوا جيل السلام يتحولون إلى جيل النقمة والإرهاب، إلى جيل يدمن على المخدرات فتدفعه بدوره إلى ممارسة العنف والقتل.

3-إنتفاضة إعلاميّة تتولاّها وزارة الإعلام مع المجلس الوطنيّ للإعلام بالشراكة الكاملة مع أصحاب المؤسسات الإعلامية المرئيّة والمسموعة والمقروءة، ونقابتي الصحافة والمحررين تهدف إلى منع البرامج المحشوة بالعنف والقتل، ومنع أي مشهد تنقله وسائل الإعلام مليء بالقتل، الإعلام مرآة الوجود ينقل الحدث والبرنامج بمضامينه إلى الناس وبخاصة إلى الناشئة فتنعكس في دواخلهم فيتمزقون بها. كما منع كلّ البرامج التافهة أو الفن التافه الذي يسطّح العقول تحت ستار الترفيه، والارتكاز على بثّ الجمال في الموسيقى والمسرح، والغوص في أعماق المعاني الإنسانية التي تجعل العقل والفكر ساميًا. لا يبطل العمق الترفيه والفرح لكنه يلفظ الابتذال والبذاءة من مؤسساتنا.

4-إنتفاضة سياسية، فيها تتعهّد الأحزاب السياسيّة بعدم تغطية أي مجرم يخرج منها بل المساهمة في تقديمه إلى العدالة قبل سواه. وتتعهّد أيضًا بالعمل على الفصل بين السلطات بحيث تتوافق فيما بينها على عدم التدخّل في القضاء، وعدم التاثير على القضاة في احكامهم. وزير العدل سليم جريصاتي أحدث ثورة راقية في ترتيب القضاء، لكنّه ينتظر القوى السياسيّة بان تتوافق فيما بينها على ترك القضاء يعمل ويحاسب ويراقب. فقاتل روي الحاموش وشركاؤه، وقاتل جورج الريف، وقاتل إيف نوفل في فاريا يجب أن تصدر الأحكام بحقهم ويعاقبوا على فعلتهم الشنيعة، فيكونوا عبرة لكلّ من يشتهي قتل سواه.

القاتل جبان لأنه لا يعرف المواجهة العقليّة، يهوى إبادة الناس حتى يرتاح. خوفه يدفعه إلى ذلك، كما بطشه أيضًا. لقد قرّر بختنصر الملك أن يقتل الفتية الثلاثة العبرانيين لأنهم يعبدون الله ولم يسجدوا لتمثال الذهب الذي بناه، كما جاء في سفر دانيال في العهد القديم، خشي بختنصر من وجود الله كمنافس له لأن تمثال الذهب كان صورة عنه، ولما قرر زجهم في اتون النار حفظهم ملاك الرب بريح ندىً تصفر، فلم تمسهم النار بل وقفوا وسبحوه بصوت واحد وسجدوا له. كل قاتل في التاريخ يخاف ويغار ولا يرى سواه في الوجود مألوهًا. أمّا القتيل فهو وحده المألوه وذبيح الله، كروي الحاموش وصوته من باطن الأرض ودمه يصرخ بوجه القتلة لأنهم سيموتون في حقدهم، ومن أجل عدالة قد لا تعيد الذبيح فهو عريس الله في السماء، ولكنها تعيد حقّه المهدور بالدماء، ومتى أعيد الحقّ وانتصر صارت الدماء ضياء.