IMLebanon

قصة إبريق الزيت

لا بد لمن لم ينَس أيام صباه وروايات جدته آنذاك أن يتذكر أشهرها: «قصة إبريق الزيت».

لمن نسيها أو لا يعرفها٬ هي قصة أصبحت مثلاً شعبًيا يطّبق على كل اجترار في الكلام وتكرار في التصرف يثير الملل. مثل «إبريق الزيت» بعث من جديد في لبنان بحيث تحول إلى قصة المرحلة بعد أن كاد مسلسل الانتخابات الرئاسية ­ التي تبدأ كما تنتهي وتنتهي لتبدأ من جديد ­ أن ينافسه في إشاعة الملل في النفوس.

بعد أكثر من عشرين شهًرا على شغور موقع الرئاسة اللبنانية٬ و35 جلسة انتخاب فاشلة٬ لا يزال «التكرار» سيد الموقف في ساحة النجمة٬ مع فارق شكلي بين تكرار الأمس وتكرار اليوم المتمثل في تبدل الأدوار الانتخابية دون المساس من قريب أو بعيد برتابة «قصة إبريق الزيت».

إذن٬ الشغور الرئاسي مستمر في لبنان بفضل قدرة اللبنانيين على تعطيل جلسات الانتخاب وعجزهم عن قراءة تحولات المنطقة بمجهر لبناني فحسب.

لولا الحساسيات المذهبية التي تتحكم بديمقراطية لبنان «التوافقية» لكانت عبرة فشل جلسة الانتخاب الأخيرة هي: سواء اتفق حزبا الأكثرية المارونية أو لم يتفقا٬ رئاسة لبنان لا يقررها موارنة لبنان بمعزل عن عباد الله الآخرين.

والمشكلة في هؤلاء أنهم موزعون على عباد محليين وإقليميين مًعا. ولو جاز الغوص في نيات هؤلاء العباد لتبين أن من أهداف إطالة أمد الشغور الرئاسي انتظار «الموسم» المناسب للانتخاب٬ وتحديًدا الموسم الذي ستجري فيه رياح المنطقة بما تشتهيه «سفن» أحزاب يتعدى موقفها من انتخابات الرئاسة شكلياتها البرلمانية إلى صلاحياتها الدستورية.

قد لا يلام برلمان لبنان إن أثبت٬ خمًسا وثلاثين مرة خلال العشرين شهًرا المنصرمة٬ أن قرار كثير من نوابه لا ينبع من داخل لبنان بقدر ما يأتي من رغبات الجيران». وبانتظار أن يتضح تماًما موقف «الجيران»٬ توحي قراءة سجل اصطفافات النواب المشاركين في جلسة 8 فبراير (شباط) الحالي ومقاطعيها أن الكتل والأحزاب المرتبطة «آيديولوجًيا» ومادًيا بإيران ظلت ملتزمة بترشيح الجنرال ميشال عون٬ بينما وهن هذا الالتزام٬ بعض الشيء٬ في مواقف الأحزاب التي تعتبر حليفة حليفها» الإقليمي٬ سوريا (مع الاستئذان من الرئيس نبيه بري)… فهل يمكن الاستنتاج بأن سوريا أصبحت أقل ارتباًطا بالقرار الإيراني في أعقاب تزايد اتكالها على روسيا لتحقيق «انتصارات» عسكرية على فصائل المعارضة٬ وبالتالي أكثر استعداًدا من ذي قبل للتدخل في انتخابات الرئاسة اللبنانية؟

أما على الصعيد الداخلي ­ إن صح الحديث عنه بمعزل عن العامل الإقليمي ­ فقد يأتي يوم تكتشف فيه الأحزاب المارونية أنها أخطأت التقدير في ربطها معركة زعامة موارنة لبنان بمعركة رئاسة كل لبنان٬ وأن تكتشف أيًضا أن الشعار الذي طرحته لهذه المعركة٬ أي شعار اختيار «الرئيس القوي»٬ لا يناسب لبنان ولا موارنة لبنان.

المطالبة «برئيس قوي» في بلد ضعيف – وفاشل بمقاييس الدول العصرية – ليست أكثر من رومانسية سياسية٬ ومذهبية٬ تتجاهل حجم لبنان المحدود جغرافًيا٬ وواقعه المشرذم سياسًيا٬ والمتردي اقتصادًيا… فكيف لأي رئيس أن يكون قوًيا في ظل هذه المعطيات؟

وفي حال افتراض حصول مرشح الرئاسة «القوي» على تأييد كامل أبناء طائفته في لبنان ­ وهذا رابع المستحيلات ­ لما تجاوزت نسبة مؤيديه الـ21 في المائة من اللبنانيين (نسبة أبناء الطائفة المارونية من سكان لبنان)٬ ما يعني أن «الرئيس القوي»٬ إن وجد٬ محكوم بأن يستمد القدر الأوفر من قوته السياسية من تأييد طائفتي الأكثريتين الإسلاميتين٬ السّنة والشيعة٬ الأمر الذي «يذّوب» العامل الماروني الذاتي لقوته. وهذا يعني٬ انطلاًقا من واقع النظام السياسي اللبناني٬ أن انتخاب الرئيس الماروني مرهون٬ عددًيا على الأقل٬ باتفاق كتلتي الأكثريتين الإسلاميتين على مرشح واحد.

وما دام اتفاق كتلتي الأكثريتين الإسلاميتين مرهوًنا٬ حالًيا٬ بمرجعيتيهما الإقليميتين٬ وما دامت نزاعات الشرق الأوسط تتحكم حالًيا بعلاقات المرجعيتين… فإن أفضل ما يمكن أن يفعله اللبنانيون العاديون أن لا يملوا التمتع بقصة إبريق الزيت إلى أن يقضي الله أمًرا كان مفعولاً.