IMLebanon

إلزاميّة التعليم ومجّانيّته vs الهُوية التربويّة: عزوف طائفيّ عن المدرسة الصيفيّة؟

 

 

 

أظهرت لوائح وزارة التربية والجهات المانحة مقاطعة ملموسة للمدرسة الصيفية في القرى «المارونية» التابعة لنفوذ التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، إذ لم يتجاوز عدد المدارس المشاركة 44 مدرسة من أصل 518 مدرسة في كل لبنان. هل لهذه المقاطعة علاقة مع صدور مرسوم إلزامية التعليم ومجانيته ومتصلة بأهداف المدارس الكاثوليكية وقانون الهوية التربوية، أم أن الأمر محض مصادفة؟

 

أطلقت وزارة التربية المدرسة الصيفية ابتداءً من الأول من آب، ولمدة خمسة أسابيع، لتعويض الفقدان التعليمي الذي لحق بالتلامذة خلال حجر كورونا وتعطيل المدارس، وذلك بتمويل من الجهات الدولية المانحة التي تكفّلت بتغطية نفقات التدريس والتشغيل من رواتب الأساتذة ونفقات الكهرباء والقرطاسية وغيرها.

 

وبحسب لوائح وزارة التربية والجهات المانحة، بلغ عدد المدارس المشاركة في المدرسة الصيفية 518 مدرسة رسمية تضمّ 67348 تلميذاً/ة (48641 تلميذاً/ة لبنانيين، 17570 تلميذاً/ة سوريين، 1137 تلميذاً/ة من جنسيات مختلفة). ويتضمّن برنامج التدريس تعليم اللغات والعلوم والرياضيات والفنون، إضافة إلى أنشطة دعم نفس اجتماعي.

 

الوزارة وزّعت استمارات على مديري المدارس الرسمية ومديراتها تدعوهم فيها إلى المشاركة في المدرسة الصيفية بشرط أن تضمّ المدرسة 120 تلميذاً/ة حداً أدنى و200 حداً أقصى. وتُرك للمديرين خيار المشاركة من عدمها، من دون أي دراسة علمية للحاجات والاعتماد على خارطة توزيع المدارس وفقاً لهذه الحاجات! ما أفضى، ربما، إلى توزيع غير عادل وغير منصف للمدارس، أعادنا إلى مقولة شاعت بداية القرن الماضي: “المدارس الرسمية للمسلمين” وأضيف إليها اليوم “واللاجئين”.

في قراءة للأرقام، نجد أن الـ518 مدرسة تمثل ثلث المدارس الرسمية وهي موزّعة على مناطق وأقضية مختلفة، ومطابقة المدارس في اللوائح المشاركة في المدارس الصيفية مع مواقع المدارس في الدليل الصادر عن المركز التربوي للبحوث والإنماء، تظهر أن هناك 383 مدرسة تقع في مناطق وقرى ذات غالبية “سنية/شيعية”، و86 مدرسة في بعض المناطق”المسيحية”، 42 في القرى “الدرزية”. المفاجأة الثانية في تشريح مجموعة المدارس تشير إلى أن هناك 213 مدرسة في المناطق “السنية”، 165 مدرسة في القرى “الشيعية”، 42 في المناطق “الدرزية”، 5 في القرى “العلوية”، 21 في القرى والبلدات “الأرثوذكسية”، 22 في بلدات الطوائف “المسيحية” الأخرى و44 في القرى “المارونية”.

 

مقاطعة طائفية وسياسية

في هذا السياق، يبدو أن هناك مناطق وأقضية معيّنة لم تشارك في المدرسة الصيفية وهي ذات توجه سياسي/طائفي محدّد وواضح، ففي محافظة الشمال وجدنا 9 مدارس في المناطق المارونية من أصل 186 مدرسة مشاركة في المحافظة. منطقة القبيات المارونية والقرى المجاورة عزفت عن المشاركة، كذلك قضاء بشري، وقضاء البترون ما عدا شكّا وبقسميا اللتين تقعان تحت النفوذ السياسي لتيار المردة أو النفوذ المتداخل بين الطوائف. وفي قضاء كسروان حيث النفوذ السياسي والطائفي متداخل بين مختلف الطوائف والزعامات، هناك 4 مدارس فقط مشاركة. وفي قضاء المتن الشمالي الواقع تحت نفوذ متداخل، هناك مشاركة لبعض المدارس أيضاً، أما المنطقة الممتدة من المكلّس حتى بعبدات وما تتضمنه من قرى وبلدات فهي غير مشاركة، ما عدا بكفيا وبتغرين، حيث النفوذ لحزبي الكتائب والسوري القومي الاجتماعي.

 

وفي قضاء بعبدا، هناك منطقتا الليلكي وحارة حريك المارونيتان اللتان لا يقطنهما سكانهما الأصليون، أما البلدات الممتدّة من الحدت إلى بعبدا وصولاً إلى عاليه فلم تشارك في المدارس الصيفية. وفي منطقة بيروت، تبين أن هناك 14 مدرسة مشاركة فقط، منها واحدة في الأشرفية حيث النفوذ السياسي متداخل مع أرجحية للطائفة “الأرثوذكسية”. وفي قضاء الشوف فإن المدارس المشاركة من البلدات المارونية هي قرى مهجّرة والنفوذ السياسي فيها للحزب الاشتراكي.

وفي بعلبك الهرمل، القرى المارونية غير مشاركة، أما زحلة الكاثوليكية فمشارِكة بكثافة. كما في الجنوب فهناك مناطق وبلدات عدة غير مشاركة مثل مغدوشة، في حين أنه في مناطق جزين وحاصبيا ومرجعيون شاركت أربع بلدات مارونية فقط حيث النفوذ على المنطقة الحدودية يُخرجها من سيطرة الممانعين للمدارس الصيفية.

 

عدم الاختلاط باللاجئين!

من يقف خلف هذه المقاطعة؟ نلاحظ أن المدارس غير المشاركة في المدرسة الصيفية تقع في مناطق جغرافية تابعة لنفوذ كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وهما بطبيعة الحال سينفيان أي علاقة لهما بالأمر وأي تدخل. ولكن ما يُسمع على ألسنة الأهالي في الغرف المغلقة لهذا المشروع أنهم لن يشاركوا في هذه المدرسة بسبب الاختلاط بين التلامذة اللبنانيين والسوريين. وهو بالنسبة إلى الجهات المانحة شرط لتمويل المشروع، إذ تعتبر أن للطفل الحق في التعلّم من دون تمييز.

ثقافة التمييز أُرسيت في هذه المناطق وفي مناطق أخرى أيضاً، وهو شعار مضمر يحمله هذان الحزبان منذ زمن ويلقى تأييداً من مناصريهما حتى وصل الأمر إلى حد حجب حق الأطفال من فرصة تعويض (عليها علامات استفهام) الفاقد التعليمي الذي تضاعف خلال الإغلاق.

 

المدارس الكاثوليكية

قد تكون القراءة خاطئة، لكنها تجد ما يتقاطع معها على المستوى التشريعي حيث نشرت الجريدة الرسمية، أخيراً، المرسوم التطبيقي لقانون إلزامية التعليم ومجانيته، والذي تأخّر صدوره 10 سنوات في مجلس شورى الدولة! من الواضح أن هناك من عرقل إصداره ومن يعترض عليه كان قد ألزم المجلس النيابي بإقرار قانون الهوية التربوية قبل الإفراج عن المرسوم، ففكرة قانون إلزامية التعليم ومجانيته تعود إلى خمسينيات القرن الماضي في زمن حكومة الرئيس عبدالله اليافي وقابلتها المدارس الكاثوليكية بطرح قانون الهوية التربوية، ولكن يومها لم يُقرّ أي من القانونين. قبل أشهر، أُقرّ قانون الهوية التربوية وقبل أيام صدر مرسوم قانون إلزامية التعليم ومجانيته الذي تصرّ عليه الجهات الدولية المانحة. لكن إقرار المرسوم من دون قانون الهوية التربوية يضرّ بالمدارس الخاصة، ومنها المدارس الكاثوليكية التي تصرّ على وجوب أن تدفع الدولة نفقات التعليم عن جميع التلامذة في التعليم الخاص كما في التعليم الرسمي استنادًا إلى اختيار الأهل لمدرسة أبنائهم. وهنا يبدو أن الصراع انتقل من الدولة/المدارس الكاثوليكية إلى صراع بين الجهات المانحة والمدارس الكاثوليكية، فالأخيرة لا ترغب في استمرار الأنشطة التي تعكس مجانية التعليم.

 

المدرسة الصيفية المموّلة بالكامل من الجهات المانحة والمتقدّمة على خدمات الوزارة وطروحاتها والتي تمثّل الترجمة العملية لمرسوم إلزامية التعليم ومجانيته لا تناسب المدارس الكاثوليكية التي خاضت حرباً مستمرة منذ أكثر من 70 سنة لإقرار قانون الهوية التربوية، والتي قادها في بعض المراحل الأمين العام السابق للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار بدعوته الدولة إلى أن تعطي المدارس الخاصة ما تنفقه على التعليم الرسمي لكي تقدّم خدمة التعليم لجميع تلامذة لبنان، أي بمعنى آخر تخصيص التعليم الرسمي.

المدارس الكاثوليكية تصرّ على تعليم أبناء الطائفة المارونية في مدارسها وعلى حساب الدولة وتترك المدارس الرسمية للمسلمي، واليوم باتت للمسلمين واللاجئين بحسب تعبير الأهالي في المناطق الممانعة للمشروع.