IMLebanon

السعودية تداوي الفراغ السني – الحريري بالتوازنات وتنويع الشراكات

 

 

 

برز الفراغ الاستراتيجي والزعاماتي السني في الأيام القليلة الماضية مع ارتفاع حدة خطاب الشحن المذهبي، على وقع تأثير أحداث السويداء الأليمة، ولا سيما في الجغرافيا المتداخلة. بيد أن السعودية سرعان ما نجحت في احتواء الموقف عبر ترياق تعتمده لمداواة العاطفة السنية وتجسير الفجوة التي أوجدها اعتزال سعد الحريري، يرتكز على سياسة براغماتية تمزج فيها بين تفعيل التوازنات وتنويع الشراكات، وتشجيع الديناميات على التفاعل من خلال مواصلة عملية الانفتاح على النخب والقوى والشخصيات.

توازن السعودية بين دور دار الفتوى كمظلة جامعة تتولى رعاية الوضع السني بغياب الزعامة، وتتدخل في اللحظات الحساسة لاستيعاب غضب الشارع وتفكيكه، مثلما حصل إبان تصاعد حدة الاستقطاب نتيجة انغماس “الجماعة الإسلامية” في النشاط العسكري إلى جانب “حماس” و”حزب الله”، وكذلك في الأزمة الراهنة من خلال سلسلة لقاءات روحية وسياسية مشتركة في عدة مناطق، وبين دور رئاسة الحكومة السياسي كركن أساسي في معادلة الحكم بعيدًا من أوهام الزعامة.

 

في موازاة توظيف الأدوات الناعمة بمهارة وفعالية عبر سفيرها في لبنان وليد البخاري، المتعمّق في بنية التوازنات اللبنانية الحساسة وشيفراتها، والذي أجرى زيارة مطولة إلى طرابلس يوم الأربعاء حملت الكثير من الرسائل والإشارات، بدءًا من توقيتها المرتبط بتطورات الحدث السوري، وتزامنها مع زيارة وزير الاستثمار السعودي إلى دمشق على رأس وفد كبير من رجال الأعمال لتوقيع اتفاقيات وشراكات استراتيجية. مرورًا بالقمة الروحية الجامعة في دار الفتوى في رسالة تطمين وتسكين للمخاوف.

 

انتهاء بتخصيص زيارتين منسّقتين تتجاوزان السياق البروتوكولي التقليدي، الأولى إلى منزل السياسي خلدون الشريف، والتي كانت علامة فارقة في الشكل والمضمون، من ناحية المساحة الزمنية التي كانت الأطول في اليوم الطرابلسي، ونوعية النقاشات، كما من ناحية ما يجسده الحاضرون من تنوع فكري وديني يعبر عن قيم الشراكة الجدية المتجذرة في النسيج الاجتماعي المديني بعيداً من منطق الأقليات والأكثريات. فيما الثانية كانت إلى سامر كبارة، صهر الرئيس بري، وتعبر عن رسالة احتضان سعودي للأخير.

 

بالإضافة إلى الإشادة بحكومة الرئيس نواف سلام والخطوات الإصلاحية التي أنجزتها خلال وقت قصير، تبيّن المصادر أن البخاري كان حريصًا على نثر الإيجابيات وتبديد مناخات التوتر والاحتقان التي تفاعلت في الآونة الأخيرة، من خلال تركيز رسائله الدبلوماسية على عنوانين اثنين:

 

الأول، أن طرابلس ستكون بوابة ازدهار سوريا، حيث ستكون في طليعة المستفيدين من الانفتاح الاستثماري السعودي والخليجي على دمشق، في رد على تساؤلات محملة بهواجس وتقاليد إضاعة الفرص الاستثمارية الواعدة. ناهيكم عما تكشف عنه المصادر من حزمة مشاريع استثمارية وتنموية واعدة خصصتها المملكة للفيحاء والشمال.

 

 

 

الثاني، أن المملكة معنية بشكل مباشر بأمن واستقرار طرابلس ولبنان ضمن مخرجات “رؤية 2030″، ودلالة التزاوج في الحرص على الاستقرار بين الجزء والكل تشكل رسالة نافية لكل الأقاويل والحملات المضللة حول صراعات الخرائط الراهنة وإمكانية ضم عاصمة الشمال إلى سوريا، بالتوازي مع الموقف السعودي الراسخ في دعم وحدة التراب السوري.

 

حسب المصادر، فإن تحقيق هذين الهدفين يستلزم مواكبة التحولات وقراءة المشهدية الكاملة، لا الاكتفاء بجزئيات منها، من أجل تزخيم روح المبادرة على المستوى الجماعي، والتخفّف من مشاعر المظلومية وتأثيرها السلبي على العقل الجمعي. وبالتالي، فإن واحدة من مخرجات لقاءات السفير البخاري الطرابلسية، هي نقل الكرة إلى ملعب الحاضنة الأصلية للخروج من إسار الحقب الماضية، وتحفيز النخب على تحديث منهجية التفكير وآلياته لإنتاج ديناميات جديدة ومنوعة تتسم ببراغماتية تتيح التكيف مع المتغيرات واستثمار ما تحمله من فرص استراتيجية.

 

وفي هذا الصدد، تشير المصادر إلى أن “رؤية 2030” هي استراتيجية سعودية طويلة الأمد تتمأسس حول العمق العربي والإسلامي، وترتكز على إرساء السلام والاستقرار، وتفعيل برامج التنمية وقيم الحداثة، وتوظيف عناصر النفوذ والتأثير من أجل إدارة الصراعات مع الفاعلين على طاولة السياسة لإنضاج حلول براغماتية، مع الحرص على تنويع الشراكات الجدية ضمن مختلف المسارات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية والتجارية والفكرية. وفي القلب من هذه الشراكات تبرز الأقليات الدينية والعرقية لكونها تشكل جزءاً أصيلاً من النسيج الوطني والاجتماعي.

 

تنطلق هذه الاستراتيجية من أن الصراعات في المنطقة لها جذور تاريخية، وبالتالي فإن الأجدى إداراتها عبر سياسة تشاركية مرنة وفق معادلة “رابح – رابح” تنعكس إيجاباً على الجميع، لا دعم فئة على حساب أخرى ضمن مشاريع مقوضة للسيادة الوطنية تسهم في ترسيخ خطاب الكراهية ومشاعر المظلومية.