IMLebanon

سُنّة لبنان و… نظام الإمتيازات الطائفيّة والمناطقيّة

 

انتقادات بالجملة ومن مناطق سِنيّة مختلفة تعرّضت لها حكومة الرئيس نواف سلام أخيراً، عنوانها تعيين وزير للداخليّة، مدير عام للأمن العام، مدعي عام التمييز ورئيس التفتيش القضائي من بلدة واحدة. ليطالب فاعلون بمن فيهم نواب سُنّة بحصص مناطقتهم، معتبرين أن ما يحصل يثبت مظلومية… سبق أن مرّت طرابلس بمثل هذه التجربة عام 2011 حيث نالت تمثيلاً من خمسة وزراء بما فيها حقيبة المال وهو تمثيل غير مسبوق، ومع ذلك لم ينجح وزراء طرابلس رفع القليل القليل من حرمان المدينة المزمن وبلسمة جراح أهلها.

لم نجد مثل هذه الانتقادات عند باقي الطوائف، فهناك أصوات شيعيّة ارتفعت لكسر احتكار الثنائي وتمثيل المعارضة، وأصوات مارونيّة مرتبطة بحصة تيار معين خرج ليحل مكانه حزب آخر و.. من هنا وجب علينا دراسة ردات الفعل هذه ضمن قراءة المشهد اللبناني بموضوعيّة واستكشاف العوامل التي تدفعنا الى عداوة بعضنا البعض!!

 

بداية ما هو نظام الإمتيازات الذي نعيشه؟ وهل يمكن تحقيق تكامل بين الكيانيّة الفرديّة والإجتماعيّة للسُنّة في لبنان مع المشروع الوطني في ظل سيطرة هذا النظام؟

نظام الامتيازات الطائفي والمناطقي في لبنان نتيجة مباشرة للسياسات الاستعمارية التي اعتمدها الفرنسيون خلال فترة انتدابهم على لبنان 1920-1943، أرسته دول إستعماريّة في مستعمراتها ويتميّز بتقسيم السلطة على أساس طائفي أو قبائلي، تعزيز هذا التقسيم على حساب الهوية الوطنية الجامعة، إيجاد تفاوت اقتصادي وإجتماعي بين المناطق، تفضيل مناطق بيروت وجبل لبنان على حساب مناطق أخرى، ولاءات طائفية ومحلية بدلاً من الولاء الوطني، ليلعب زعماء الطوائف دور الوسيط بين الدولة والطائفة، مما أدّى إلى تراجع مفهوم المواطنة وشروطها المؤسساتيّة لصالح الانتماء الطائفي أو المناطقي. نتيجة لهذا النظام، أصبح لبنان يعاني من انقسامات حادة، وحروب أهلية متكررة، لأن وقود هذا النظام عصبيّة الشحن الطائفي وتسويات مرحلية مع قوى أمر واقع متغيّرة عنوانها المصالح الآنيّة للقوى الطائفية والمناطقيّة.

 

عنوان «المارونيّة السياسية» مرتبطة بمؤسسات تعليميّة، صحيّة، ثقافيّة، اقتصاديّة ماليّة ومساحات شاسعة لأراضي أكبر بكثير مما تمتلكه الدولة، لتصبح الدولة مجرد تابع لها يدخل ضمن عنوان نظام الإمتيازات، يدعم هذا العنوان التسليم بالإبقاء على طائفيّة رئيس الجمهوريّة، قائد الجيش، حاكم المصرف المركزي، رئاسة أجهزة أمنيّة وقضائية، لتكون بعدها رئاسة الحكومة والمجلس النيابي لطوائف أخرى. الوصاية التنفيذّية على بلديّة بحجم العاصمة يكون عبر تجريد رئيس بلديّتها من صلاحياته التنفيذية ليأخذها محافظ من خارج بيروت ومن خارج الطائفة السنيّة! فرض عدم امكانيّة أيصال أي طلب من قبل رئيس بلديّة طرابلس وغيرها الى وزارة معينة الا من بعد طلبها من الزعيم ليعطي إشارة استقبالها من المحافظ، ويكون التعطيل سيد موقف العمل البلدي وغيره ضمن لعبة الكيد السياسي وتعبئة الكره المقدس، تعيين رؤساء مناطق تربويّة فاقدي الكفاءة والحس الإنساني التربوي لأهداف انتخابيّة، غياب الحماية الصحيّة والإجتماعيّة، تعقيدات الإدارة العامة لإفسادها ضمن مستويات وقاحة الإبتزاز، فالعلاقة الخاصة والتقرب من النافذين ودفع الأموال هو مفتاح استكمال تنفيذ المعاملات المعقدة… ليستكمل «فيروس قوى أمر الواقع» هذا عنوان المقاومة الممولة بالمليارات واستثماراتها الداخليّة المرتبط بمحور خارجي وقراراته، وتتجاوز بهذا أمكانيات الجيش اللبناني بأشواط!!! وتتحول قوتها الأسطوريّة لاحقاً وبالاً عليها وعلى من احتضنها! لنصل أخيراً الى مشهد البارحة ونجد أن من يمون عليهم رئيس الحكومة السني في التصويت لصالح التعيينات ضمن حكومته لا يتجاوز 7 من أصل 24 وزيراً!… ولن ننسى أن نذكر عدم وجود مركز «مفتي لبيروت» يتكامل عمله مع مركز مفتي الجمهوريّة الحاضن لكل المفتين والأوقاف والمستثمر بكفاءات رعاية المؤسسات… ما ذكرناه لا يتعدى كونه غيضٌ من فيض ما يعيشه سُنَّة الأطراف في الشمال والجنوب والبقاع في ظل غياب الحد الأدنى من الإحصاءات ومعايير توزيع الثروة الوطنيّة والإستثمار فيها الأساسيّة في مشاريع بناء الدول.

 

مقابل فيروس نظام الإمتيازات التدميري هذا، يقوم برنامج نظام الدولة الدستورية الديمقراطية العادلة في الأنظمة الطبيعيّة على أسس معاكسة تماماً، تبدأ بمبدأ المواطنة المتساوية، حقوق وواجبات يضمنها الدستور والقانون، حكم القانون والمؤسسات. تُمارس السلطة من خلال مؤسسات منتخبة ديمقراطياً وليس عبر زعامات طائفية أو عائلية. قضاء مستقل يضمن العدالة للجميع. توزيع عادل للموارد والتنمية لتطوير جميع المناطق بشكل متوازن، ولا يكون هناك مناطق مهمّشة وأخرى مزدهرة، نظام انتخابي حديث وعادل يمثل إرادة الناخبين بشكل صحيح. تشجيع الأحزاب السياسية المدنية التي تعمل لتحقيق الرفاه والتنميّة، مجلس شيوخ يضمن حقوق الطوائف ويفتح باب انطلاق عمل مجلس نيابي لتحقيق التنميّة والعلاقات المتوازية مع الداخل والخارج، احترام كامل لحرية الدين والمعتقد من دون ربط الدولة بأي طائفة أو زعامة. لتضمن الدولة وبهذه الطريقة والمنهج فقط حرية الفرد دون تدخل مؤسسات الإمتيازات الطائفيّة والزعاماتيّة في الشأن السياسي.

غياب منطق العدالة والإنصاف ضمن العائلة الصغيرة يتسبب بالعداوة والكره بين الأخوة، فما بالكم بهذا الحجم الهائل من كبت الأنفاس اليومي، تديره إمبراطوريات ماليّة وإعلاميّة وحتى ميليشياويّة تحقق أهداف نظام امتيازات يحاصر معظم مكونات الطائفة السنيّة المرتبطة بكيانيتها الوطنيّة، أكثر من قرن على فيروس هذا النظام المتطور سلباً بتفاعله مع قوى أمر واقع مستجدة على الدوام، وليأتي بعد كل ما استعرضناه بيان «المحافظون الجدد» يتكلم عن هدر الحقوق المقدسة والدعوة الى فدراليّة الإنعزال المتجدد، ويرفع شعارات محاربة كل أشكال الذميّة السياسيّة المفروضة على المسيحيين!!!

في ختام هذا العرض الأولي، نقول بأن هيكل فيروس نظام الإمتيازات الطائفي والمناطقي انتهت صلاحيته وسيسقط سريعاً عاجلاً أم آجلاً، وعلينا العمل مع باقي الطوائف لإستحضار نواة تجربة الرئيس فؤاد شهاب للتخلص من إرث هذا الإستعمار المتجدد الذي يعزز الانقسامات ويعرقل بناء الدولة الحديثة ويدمر مستقبل أبنائنا. علينا اتخاذ قرار السير قُدُماً معاً نحو نظام الدولة الدستورية الديمقراطية الجامعة وفق قواعد ومعايير حقيقيّة وبما يحقق العدالة والاستقرار والإزدهار وأثبات مكانتنا الكيانيّة في الصراع الحضاري للبقاء، مستندين إلى مبدأ المواطنة المتساوية وشروطها المؤسساتيّة، حكم القانون والعدالة الاجتماعية عبر تطبيق دستور الطائف وفق ميثاقيّة مقدمة هذا الدستور.