IMLebanon

سوبرمان الدولة

 

ـــــ ١ ـــــ

المدن التي عرفناها تغرق.

هل تنتابك حمى الخوف وفقدان الأمن؟ أليس بيروت والإسكندرية في غرقهما أفضل من دمشق وبغداد وبنغازي؟

الرجل الواقف في الصور يحمي ثلاجته من «الطوفان» في الإسكندرية، تلخص حسرته: التأرجح بين الموت والحياة. نعم نسمي المطر الموسمي العادي «طوفان» حسب تعريفات مدننا الغارقة في زمنها، كما أن النفايات العائمة في تجوّلها البيروتي هي بعض مما ارتكبت «شبه الدولة» القائمة على نظام الحصص الطائفية.

مدن غارقة، أو مكان عبثي، برمائي، بحيرة وشارع، سكن وماء لا حدود له ولا خبرات سابقة في التعامل مع كارثة لا تدمر المدينة تماماً وفي الوقت نفسه لا تبقيها على حالها.

كيف ينعكس واقع «المدينة المنتظرة كوارثها» على تفكير وثقافة ونفسية سكان هذه البقعة من العالم؟

سكان يشبهون أسرى جزيرة محاصرة من قراصنة، وينتظرون «سوبرمان» المنقذ…. وكلما أتى سوبرمان تماهى مع القراصنة واقتسم المدينة معهم، وربما كان منهم أساساً. هذا الانتظار المميت هو الذي يحوّل «المعتاد» إلى «طقس جنائزي» لمدن بنيت في المرحلة الكولونيالية، وبدلاً من أن يمتصها الاستعمار في إمبراطورياته الجريحة، ابتلعتها العصابات المحلية بالتدريج.

ـــــ 2 ـــــ

وبدلاً من التفكير أو تنظيم «الفزع»، يهرب سكان هذه المنطقة إلى فقاعاتهم.

في الفقاعة يستسلمون للخرافات، وبينما تكاد الكفاءة الغائبة أن تقتلنا ـ والفشل قد أغرقنا بالفعل ـ يجلس الخائفون أمام مصانع النفايات المتلفزة، يستمعون لتفسيرات تحمل «الكيمتريل» المسؤولية عن «اللعب في الطقس».

والكيمتريل اسم مؤامرة، وتصفه «ويكيبيديا» بأنه: «سحاب أبيض ينتشر في السماء، يشبه الخطوط المتكثفة التي تطلقها الطائرات ولكنه يتركّب من مواد كيميائية أو ضباب ولا يحتوي على بخار الماء. يُرش هذا الغاز عمداً من على ارتفاع عال، وقد تزايدت الشكوك حول الغرض من استخدامه والذي يُعتبر غرضاً سرياً يكتنفه الغموض..».

الذهاب إلى الخرافة هو علامة انتصار «الطبقات السياسية» التي استطاعت المحافظة على استمرار «فترة الاحتضار» أكبر وقت ممكن، ولم يكن ذلك بفعل أكثر فعالية من بث «الخبل» والخرافة بديلاً عن التفكير لتعطيل الإرادة الجماعية للتغيير، وإعادة تشكيل عقل جمعي يتغذى على النفايات.

وبمعنى واقعي مصر ولبنان، هما نموذج دولة ناجية، إنقاذها فيمن دمّرها، وهو فعل سحري من أفعال البيروقراطية بقيادة «نسختها العسكرية» في مصر، والمافيا في تنظيمها الطائفي (لبنان)، وإنقاذ الدولة كان في الأساس مهمة منع الإصلاح (مصر) أو تخليد الحصص الطائفية (لبنان).

وهذه حالة فارقة يمكن تسميتها «الإنقاذ المدمّر».

ـــــ 3 ـــــ

انتظار المعجزة هو مأساة في حد ذاته.

وهذا ما نعيشه مع حكم «السوبرمان» الذي تصنع صورته من نفايات أفكار ترى الدولة كياناً متعالياً مقدساً فوق البشر والواقع وفوق كل شيء… وهذه مفاهيم سقطت مع «الأخوين» هتلر وموسوليني لأنها كانت وراء قتل 80 مليون إنسان لتحيا «ألمانيا أو إيطاليا…» أو بالمعنى الأدق ليحكم كل منهما العالم.. أو يستحق العالم أن يحكمه مجنون بالسلطة.

تغرق مدننا ليس بفعل كارثة بيئية (زلزال/ عاصفة/ بركان) ولكن بفعل قبول الرداءة باعتبارها «البيئة الوطنية» التي يجب الحفاظ عليها…. لأسباب تتعلق بالسيادة على دولنا أو بفعل أن المجتمع رهينة وهبة الدولة… والمجتمعات تغرق على أشكال دولها.

كما أن سوبرمان الدولة بعد أن تنْفد قدراته سريعاً على تحقيق «الوعود» يتحول إلى «قدر وطني» لا فكاك منه إلا بالدمار كما نرى في مدن لم تنل حظها من الغرق.