IMLebanon

لبنان أمام لحظة مفصلية لا يمكن أن تتكرر ولا يجب أن تضيع

 

 

“يجد الآباء في الدعم الدولي للبنان ولحكومته فرصة، لا يمكن أن تتكرر ولا يجب أن تضيع…”

 

 

بهذه العبارة، اختصر البيان الختامي لسينودس بكركي 2025 جوهر اللحظة السياسية التي يمر بها لبنان. إنها لحظة نادرة، ربّما تاريخية، من حيث الزخم الإقليمي والدولي المطالب بعودة الدولة اللبنانية، بكل مؤسساتها، إلى موقع القرار السيادي الحصري، وتجريد كل السلاح غير الشرعي من المخيمات الفلسطينية إلى “حزب الله”.

 

 

اليوم، تتقاطع الإرادات الدولية والعربية على أولوية واحدة: إنهاء حالة اللادولة في لبنان، وفرض المرجعية الكاملة للمؤسسات الشرعية. لكن في المقابل، يلوح خطر داخلي مألوف: تضييع هذه الفرصة عبر تكرار خطأ قاتل ارتُكب في مرحلة 14 آذار، عندما فضّلت القوى السيادية خيار الحوار والتسويات مع “حزب الله” على خيار المواجهة السياسية الحاسمة.

 

 

ففي عام 2005، وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري، امتلكت قوى 14 آذار أكثرية شعبية ونيابية، وفرصة واقعية لتثبيت مشروع الدولة. لكنها، بدلاً من فرض قواعد اللعبة من موقع الشرعية، اختارت التنازل والجلوس إلى طاولة واحدة مع من لا يعترف أصلاً بلبنان ككيان نهائي، بل يراه ساحة لصراع إقليمي تقوده إيران.

 

 

أدّى هذا الخطأ إلى شرعنة وجود السلاح الموازي داخل الدولة، وتمكين “حزب الله” من السيطرة التدريجية على القرار الوطني: من افتعال حرب تموز 2006، وصولاً إلى اجتياح بيروت في 2008، وإلى حكومات خاضعة بالكامل لمنطق المحور. يومها، تغلّب منطق “الخوف من الحرب الأهلية” على منطق بناء الدولة. فخسرت الدولة هيبتها، وأُجهضت لحظة السيادة بأيدي أصحابها.

 

 

اليوم، يعاد طرح الشعارات نفسها: الحوار، التوافق، التهدئة. لكن السؤال الصريح هو: هل تغيّر “حزب الله”؟ هل أصبح حزباً سياسياً يقبل بمنطق الدولة؟ أم أنه ما زال يتشدد في المكتسبات التي حققها على مدى 40 عاماً بسبب هذا السلاح ليعرقل قيام الدولة؟ إذا كان الجواب واضحاً، فإن أي حوار سيكون استنزافاً جديداً للدولة وفرصة ذهبية جديدة تُهدَر.

 

 

ما هو مطلوب ليس حرباً، ولا نزاعاً داخلياً، بل قراراً وطنياً واضحاً: لا سلاح خارج الدولة. لا شراكة مع من لا يعترف بلبنان أولاً. إنها لحظة تتطلب جرأة وطنية وليس حسابات طائفية. لأن “حزب الله” لا يُواجه بالحوار، بل بإرادة وطنية موحّدة، بدعم دولي واضح، وقيادة لا تتردّد.

 

الفرصة اليوم متاحة كما لم تكن منذ عقود. فإما أن نثبت أننا شعب يستحق دولة، أو نثبت مرة جديدة أننا مجرد مساحة تُستعمل وتُستنزف. الكرة في ملعب أصحاب القرار. فإما أن يصنعوا التاريخ… أو يكرّروا الخطأ نفسه ويهدروا فرصة نادرة ربما لن تتكرر في المستقبل القريب.