IMLebanon

«كورونا» سوريا… المخاوف الأبعد

 

 

لست وحدي الذي يتمنى، أن فيروس «كورونا»، لم يظهر في العالم أصلاً، وأنه لم يسجل إصابات في سوريا، كما كررت المصادر الرسمية هناك في الشق الثاني، قبل أن تعترف لاحقاً بوجود حالة إصابة وافدة من الخارج. غير أني، وكما كل الذين يعرفون سياسة نظام الأسد، فإنه لا يمكن الوثوق بما يقولون في دمشق، أو كما قال الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان ذات يوم في وصفهم: إنهم يكذبون حتى في نشرة الأنباء الجوية.

السلطات السورية في مواجهة احتمالات الفيروس، قامت بإجراءات، وصفها الخبراء والعارفون، بأنها غير ذات معنى، وأنها أقل مما ينفع في مواجهة احتمالات الفيروس، والغالب فيها إجراءات إدارية دنيا، لا تخلو من نفعية لمنتسبي نادي السلطة، أكثر مما تتصل بالإجراءات التقنية والفنية المطلوبة، والتي في مقدمتها تخصيص محاجر للمرضى، وتوفير أجهزة كشف عن الفيروس، تتجاوز أجهزة قياس الحرارة، وتأسيس مخابر متخصصة بالتحاليل الخاصة بالفيروس، والتي يقوم بها القطاع الطبي الخاص بأجهزة أغلبها قديم ومستهلك بأجر يصل إلى مائة دولار، تعادل بالليرة السورية ضعفي الراتب الشهري لكبار الموظفين في الدولة.

واقع الأمر كما يظهر في العاصمة سيئ، والوضع في بقية المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أسوأ، والحال في المناطق السورية الأخرى سواء الخاضعة لـ«هيئة تحرير الشام» المتطرفة في إدلب وللتشكيلات المسلحة الدائرة في الفلك التركي في الشمال السوري سيئ هو الآخر، ومثله الحال في مناطق شرق الفرات، التي تسيطر فيها «قوات سوريا الديمقراطية»، ونواتها الصلبة «قوات حماية الشعب» الكردية. ففي هذه المناطق، اتسمت إجراءات مواجهة «كورونا» بأنها غير ذات أهمية ولا مؤثرة، إضافة إلى وجود واسع لضعف إداري نتيجة تعدد المرجعيات واختلافها وتناقضها، وهناك ضعف في القدرات المادية والصحية بشكل خاص بعد أن دمرت هجمات قوات الأسد وحلفائها الروس والإيرانيين أغلب المشافي والمراكز الصحية، وقتلت ودفعت للهجرة أغلب الكوادر الطبية وخاصة الأطباء، وهو ما تزامن مع وقف المساعدات الأممية والدولية للشمال السوري منذ أشهر بسبب الهجمات الجوية والبرية على الشمال الغربي.

وإذا كانت الإجراءات والإمكانيات السورية في مواجهة احتمالات الفيروس ضعيفة في كل المناطق السورية، فإن وقائع الحياة في سوريا، تزيد الضعف ضعفاً. وفي الوقائع ما يجعل البلاد كلها مرشحة لكارثة إنسانية فوق التصور، إذا تسلل إليها الفيروس، ولعلها تبرز في ثلاث نقاط؛ أولها أوضاع سكن السوريين والنازحين والمشردين منهم خاصة. وبفعل عمليات تدمير المناطق السكنية، فقد كثير من السوريين مساكنهم، قسم ذهب إلى المخيمات، التي تعد بالمئات وأكثرها موجود في مناطق الشمال قرب الحدود مع تركيا، وقسم جرى إسكانه في مراكز إيواء، كما في دمشق وبعض أريافها، وفي الحالتين ثمة اكتظاظ غير طبيعي، وغياب أو سوء شديد في الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصرف صحي وطرق، والأسوأ من الحالتين واقع عيش سوريين في الحدائق والأماكن العامة، وهي ظاهرة يعيش مأساتها آلاف في دمشق، وهم مجرد مثال للمعاناة، ولاحتمال الوقوع السهل في مصيدة «كورونا».

والوجه الآخر في مأساة السكن السوري، كامن في قلة المساكن، مما يجعل أسعارها وأجورها فوق طاقة ذوي الحاجة من المهجرين والنازحين والذين اضطروا لتغيير أماكن سكنهم، مما أجبرهم على قبول السكن بمساكن رديئة المواصفات وبينها أقبية ومستودعات ودكاكين، أو في بيوت تحت الإكساء، وخرائب كانت مهجورة، والأسوأ من ذلك، ارتفاع عدد الأفراد في السكن، كما في سكن عائلة في خيمة أو في غرفة واحدة، أو عدة عائلات في بيت واحد. وفي كل الأحوال، فإن واقع سكن أغلبية السوريين اليوم، لا يوفر الحد الأدنى للقيام بعزل مصاب أو مشتبه به بصورة ذاتية، مما يعني تحول أي مصاب إلى قنبلة متنقلة.

النقطة الثانية في الوقائع الكارثية المحيطة بالسوريين اليوم، هو واقع الفقر الشديد، وقد أصاب الفئات العليا من الطبقة الوسطى بعد أن دمر الفئات الأدنى لأسباب من بينها قلة فرص العمل، وضعف الأجور والرواتب، وغلاء أسعار السلع والخدمات، وانهيار قيمة العملة، ومحدودية الإنتاج المحلي، وتردي نوعيته، وغياب الجهات الرقابية، وتواطؤها في أغلب الأحيان، وكله يجعل توفير الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء ولباس وسكن للأشخاص والعائلات أمراً صعباً، إن لم نقل مستحيلاً، خاصة في ظل جائحات عامة محتملة، سيكون في خلالها تدافع وتنافس حاد على احتياجات محدودة وفرص قليلة.

النقطة الثالثة في الوقائع المحيطة بالسوريين في ظل احتمالات «كورونا»، موضوع السجناء والمعتقلين. وقد أدت ظروف الصراع وظروف الحياة وتطوراتها في السنوات التسع الماضية إلى اعتقال وسجن وخطف مئات آلاف الأشخاص، وتشير التقديرات إلى وجود نحو مائة وثلاثين ألفاً في معتقلات النظام على خلفيات سياسية وأمنية، إضافة إلى السجناء القضائيين، وفي مناطق الشمال تضم معتقلات «هيئة تحرير الشام» المتطرفة والتشكيلات المسلحة الأخرى آلاف المعتقلين والسجناء، وهناك ما يقاربهم في معتقلات «قوات سوريا الديمقراطية» في شرق الفرات، وتجعل ظروف اعتقال وسجن هؤلاء عند الأطراف جميعاً قوة تدمير ليس لأنفسهم فقط، بل لسجانيهم أيضاً إذا وصلهم الفيروس، وسيكون من الصعب السيطرة على الوضع في السجون والمعتقلات أياً تكن الجهة، التي تديرها، خاصة أن تسريبات أمنية، أكدت وجود أكثر من ألف إصابة في سجن عدرا بدمشق.

إن التكلفة البشرية التي يمكن أن تصيب سوريا في ظل الوضع الراهن في احتمالات «كورونا»، أكبر من كل التصورات، وسوف تكون لها فواتير إضافية في جوانب أخرى، ولا سيما من الناحية الاقتصادية، بحيث تصير الكارثة شاملة ومتعددة المجالات، وتصيب الجميع، وتتعداهم إلى المحيط الإقليمي، لأن أحداً لن يستطيع الإبقاء على الكارثة في حدود الجغرافيا السورية، وأول من سوف يتأثر دول الجوار والدول التي يتبعها جنود وميليشيات موجودة على الأراضي السورية، الأمر الذي يعني ضرورة القيام بمبادرة تدخل إقليمي ودولي عاجل في سوريا في ضوء حقيقة يعرفها الجميع، أنه ليس من طرف سوري قادر على فعل شيء، وقد يكون لهذه المبادرة، إذا تمت لمواجهة «كورونا» في سوريا، أن تهزمه، وقد تلحق به نظام الأسد أيضاً!