IMLebanon

سورية بين الاحتلالين التركي والأميركي

 

غيّر شاهد في محكمة تركية شهادته ضد القس الأميركي أندرو برانسون فأفرجت عنه. وعبر ترامب عن سعادته بالقرار، مؤكداً أن العلاقات بين واشنطن وأنقرة ستصبح «جيدة، بل ممتازة». وهذا يعني بلغة الرئيس الأميركي تخفيف الضغط الاقتصادي عن الحليف العضو في الأطلسي، والبناء على ذلك في مسائل جيوإستراتيجية تتعلق بالشرق الأوسط، خصوصاً في سورية، حيث تتشابك المصالح بين الطرفين في شرق الفرات، وفي إدلب. ويسعى كل منهما إلى لعب دور في «سورية الجديدة». فهل يتوافقان على الاحتفاظ بمواقع على الأرض في هاتين المنطقتين؟

 

منذ بدء الحرب في سورية وعليها وأردوغان يسعى إلى إقامة مناطق آمنة في شمال سورية، ولم يقدم على ذلك في البداية لأنه لم تكن لديه قوى سورية تساعده في إنجاز مشروعه، ولم يكن مستعداً لإدخال جيشه في معارك لا تنتهي مع الأكراد المنتشرين في المنطقة. وجاء التدخل الروسي واستعادة دمشق حلب من أيدي الإرهابيين والمسلحين المعارضين لتتعقد الأمور أكثر، فاكتفى أردوغان باحتلال عفرين وبعض من محيطها واستمر في دعم المسلحين الذين تدفقوا على إدلب، حيث أفرز تجمعهم في المحافظة أزمة للقوات الروسية والنظامية من جهة، وللأميركيين وحلفائهم من جهة أخرى، فانطلقت الدعوات لاستعادتها بالقوة، مع ما يشكله ذلك من أزمة لأنقرة التي ستضطر إلى استقبال آلاف المسلحين والإرهابيين، فسعت مع حلفائها الغربيين إلى الضغط على روسيا لتأجيل الهجوم او إلغائه، فكانت رواية الكيماوي التي روجتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والإنذارات التي رافقتها، فتراجعت موسكو عن الهجوم. وعقدت القمة الروسية – التركية – الإيرانية التي توصلت إلى تفاهم على إقامة منطقة منزوعة السلاح حول إدلب، على أن تضمن أنقرة خروج المسلحين التابعين لها إلى مناطق أخرى تبعد عن القواعد الروسية.

 

وفى أردوغان ما وعد به ونزعت الأسلحة الثقيلة من «المنطقة الآمنة» حول إدلب في انتظار تنفيذ الاتفاق كاملاً بإعادة المحافظة إلى الدولة السورية. لكن، دون ذلك عقبات كثيرة، منها رفض مسلحين (بعضهم تابع لتركيا) الانسحاب، وبعضهم قد تبقيه أنقرة لمواجهة التطورات، ولن تنعدم حجة لبقائه، فليس من عادة أردوغان تنفيذ كل تعهداته. وحتى إذا انسحب المسلحون ستكون لديه حجة أخرى للاحتفاظ بالمنطقة المنزوعة السلاح والمشاركة مع الروس «في حفظ الأمن ومنع تدفق النازحين» إلى بلاده فـ «أمن إدلب يهم الأمن القومي التركي»، على ما قال.

 

 

طموحات أردوغان في سورية لا تخفى على أحد، ولا تقل عن طموحات الأميركيين الذين يحتلون جزءاً من شرق الفرات لمنع التواصل السوري – العراقي – الإيراني، وهناك مؤشرات كثيرة إلى أن الطرفين سيتعاونان لتحقيق طموحاتهما: القوات الأميركية تضمن عدم تشكيل الأكراد خطراً على تركيا، مقابل السكوت عن بقاء الجيش التركي في محيط إدلب.

 

وكان جون بولتون شديد الوضوح والصراحة عندما «أهدى» إدلب إلى أنقرة، وقال إن «تركيا تحتل الجزء الشمالي من قبرص منذ عام 1974 وسط صمت دولي مطبق، ولا شيء يمنعها من البقاء» في هذه المحافظة السورية.

 

احتلال أجزاء من سورية، تركياً أو أميركياً، يؤذن بمرحلة جديدة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.