IMLebanon

علامات استفهام لإصرار الحريري وحلفائه على «التكنوقراط».

الظروف الاستثنائيّة والتجارب السابقة والتدخّل الأميركي تفرض حكومة تكنوسياسيّة

علامات استفهام لإصرار الحريري وحلفائه على «التكنوقراط»… والسكوت على «فتنة» فيلتمان!

 

 

في ظل استحكام الخلافات السياسية بين القوى السياسية المختلفة، وما ادخل تعقيدات تبلغ الدعوة للفتنة ما صدر عن المسؤول في الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان من تحريض غير مسبوق وقبله مسؤولون اميركيون آخرون، وبخاصة من خلال التحريض على المقاومة عبر استغلال الحراك الشعبي، فاقم في الواقع السياسي المأزوم ودفع بعض حلفاء الولايات المتحدة في لبنان الى التمترس وراء شروط من شأنها، في حال استمرارها اخذ البلاد نحو خيارات خطرة، وبالتحديد ما خص التمسك بحكومة تكنوقراط، وفقاً للاملاءات الاميركية.

 

والواضح ان المشكلة ليست فقط في تصريحات فيلمان الهادفة الى ضرب الاستقرار ومنع حصول توافق داخلي على ملف الحكومة، بل المشكلة الكبرى والاكثر خطورة هي صمت حلفاء واشنطن على غايات المسؤول الاميركي الفتنوية، وحتى الخضوع لها من خلال التمترس وراء حكومة التكنوقراط، في وقت هذا النوع من الحكومة، في ظل تعمق الازمة الداخلية والخلافات بين فريقين اساسيين في البلاد لن يكون اكثر من «شاهد زور» للآتي:

 

1- هكذا حكومة حتى ولو قبلتها الاطراف السياسية المعترضة على هذا النوع من الحكومات، لا يمكن ان تحظى بغطاء سياسي من كل القوى السياسية، طالما ان هناك فريقاً سياسياً اساسياً في الحكومة يمثله رئيسها سعد الحريري او حتى اي شخصية يسميها رئيس تيار المستقبل، يستطيع ان يوجه القرارات الكبرى في اقل تقدير في الاتجاه الذي يتناسب مع توجهاته سواء السياسية منها، او المالية والاقتصادية، فالمسألة هنا – وفق سياسي مخضرم له باع طويل في القضايا المالية والاقتصادية – لا تتعلق فقط بالسياسات الخارجية للحكومة المنتظرة، بل ايضاً في مسار المعالجات الجذرية والبنيوية المطلوبة في كل الشؤون المتصلة بالواقع المالي والاقتصادي والحياتي المأزوم، وفي الدرجة الاولى مواقف الحريري وتياره السياسي من مسألة مكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين واستعادة المال المنهوب، الى جانب ما لديه من طروحات في كل الملفات الداخلية – جرى الاعلان عنها في مراحل سابقة – والتي من شأنها ان تفاقم الاوضاع المالية والاقتصادية، بدءاً من طروحات الحريري لخصخصة ما تبقى من قطاعات منتجة، على غرار ما جاء في الورقة الاصلاحية التي كان وافق عليها مجلس الوزراء قبل استقالة الحريري، او الاصرار على سياسة الاقتراض من الخارج ما سيؤدي الى زيادات اكبر في الدين العام والفوائد عليه، وحتى السعي الى فرض ضرائب ورسوم على الفئات الفقيرة وكل هذه السياسات المالية والاقتصادية والحياتية التي لم يُظهر الحريري وتيار المستقبل اي جدية بتغييرها، لن تدعمها القوى السياسية حتى لو كانت خارج الحكومة، ما سيعطل الامال المعلقة على الحكومة المنتظرة من خطوات انقاذية، من جهة وتضع البلاد مجدداً في قلب العاصفة.

 

2- ان التمسك بحكومة تكنوقراط، يدير ويهيمن على ادائها وقراراتها الحريري او الشخصية التي قد يسميها، في ظل ما جاء في اتفاق الطائف حول صلاحيات رئيس الحكومة من جهة، وتجربة معظم الذين تعاقبوا على الحكومات منذ العام 1992 وحتى اليوم باستثناء الرئيس سليم الحص وعمر كرامي وما اعترى أداء الآخرين من هيمنة على قرارات مجلس الوزراء في الملفات الداخلية او سياسات لبنان الخارجية لا يطمئن الاطراف السياسية خارج تيار المستقبل وحلفائه في القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي، من ان لبنان سيبقى ملتزماً بثوابته الوطنية، بدءاً من مشروعية المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، على قاعدة المثلث الذهبي الجيش والشعب والمقاومة، ولو ان هذه الصيغة وجدت لها تسويات متقاربة في الحكومات السابقة، افضت الى ارضاء كل القوى السياسية، على قاعدة ان «لبنان بقوته وليس بضعفه» وغير المرتبط بالتحالف الاميركي، وقد انتج التدخل الاميركي الفظ في شؤون لبنان وسكوت حلفائه على هذا التداخل مزيداً من الحاجة ومزيداً من الضرورات الوطنية على تشكيل حكومة تكنو- سياسية.

 

ولذلك، يلاحظ السياسي المذكور ان اصرار الحريري وحلفائه على حكومة تكنوقراط في هذا الظرف الاستثنائي داخلياً واقليمياً، حيث وضع المنطقة يتحرك على «برميل من البارود»، يمكن ان ينفجر في اي لحظة مؤشر لا يطمئن خصوصاً، ان هؤلاء لم يثبتوا طوال الفترة الماضية انهم بمنأى عن النصائح والاملاءات الاميركية ومن يتحالف معها في المنطقة.

 

لكن الاخطر ما تعمل له واشنطن بشكل لا لبس فيه، ويتصل بفرض شروط كيان الاحتلال الاسائيلي حول ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة واشتراط الادارة الاميركية – بحسب ما قاله ساترفيلد وغيره – تنازل لبنان عن حقه في المنطقة التي يدعي العدو الاسرائيلي انها تدخل ضمن المياه الاقليمية لفلسطين المحتلة ويقدر ثمن ما فيها من مخزون نفطي بمئات مليارات الدولارات، عدا تغطية اطماع العدو بالمناطق التي ما زال يحتلها على الحدود البحرية، اضافة الى اعادة تسويق ما تسميه واشنطن تنفيذ القرار 1701، في وقت يبرر الاميركي لحليفه الاسرائيلي مئات الخروقات البرية والجوية والبحرية على سيادة لبنان.

 

وبعيداً عن كل هذه المخاطر والتساؤلات حول ما يحيط بلبنان داخلياً واقليمياً في حال تشكيل حكومة تكنوقراط، فطبيعة النظام الطائفي في البلاد والتسويات التي سارت عليها كل العهود والحكومات، من حيث عدم الاخلال بالتوازنات السياسية والطائفية ما حصل مع حكومة فؤاد السنيورة بعد استقالة الوزراء الشيعة نهاية العام 2006 من اطاحة السنيورة كل التوازنات الداخلية ولاحقاً قرار حكومته ذات اللون الواحد للتآمر على سلاح المقاومة ما ادى الى حصول احداث السابع من ايار كلها معطيات ومؤشرات وتجارب لا تطمئن الاطراف السياسية الاساسية الاخرى من العهد الى التيار الوطني الحر، الى الرئيس نبيه بري وحزب الله وكل حلفائهم ضمان ان حكومة التكنوقراط لن تأخذ البلاد الى الهاوية مجدداً داخلياً وخارجياً.