IMLebanon

طباع طاغية!

 

 

لم يغيّر اللبنانيون، في غالبيّتهم «المعنية» عادتهم الأليفة مع بعض طباعهم الأولى.. وبقي في جينات الكثيرين منهم شغف التشاوف بالتمايز وإن كان بالاستعارة! أو بركب مركب التقليد الذي يُظهر ويستبطن، اقتداراً إزاء الآخر! أو غلبة بمعنى من المعاني.. حتى لو تعلّق ذلك المعنى بنهائيات كأس العالم لكرة القدم، التي لم يكن للبنان في كل حال، ولا مرّة شرف الاقتراب من حوافيها قبل متنها!

 

واللبنانيون هؤلاء، متآلفون مع عادات عميمة وشاملة وطاغية.. لا تختص بجزء منهم دون غيرهم. ولا بـ«نوع» محدّد دون سواه، بل تبدو الجينات واحدة في عمقها وجذرها وإن اختلفت طرق تظهيرها وإعلانها.. وفي رأس ذلك وأوله إزدواج الشخصية أو انفصامها! بحيث أن الذي يرفع علم بلد أجنبي ويتباهى به، أو «بانتصارات» أصحابه، هو ذاته الذي ينغلق على ذاتيّاته وعنديّاته إلى الآخر وحتى الانفلاق! وهو ذاته المستعد حرفياً وعملياً ونظرياً وبكل القياسات والتوصيفات، لأن يَقتل ويُقتل دفاعاً (أو هجوماً!) عن ارتباطاته الأولى: المذهبية والطائفية والمناطقية والعائلية والسياسية!

 

وهو ذاته الذي يهوى النسخ والتقليد والتشاوف بغير نتاجه! وبغير قوّته! لا يتورّع لا في الصغيرة ولا في الكبيرة، عن تأكيد اختلافه وتميز هويّته! حتى صارت «حالة» عموم اللبنانيين بهذا المعنى مضرب مثَل يشوبه الكثير من الازدراء! والكثير من الهزل المرير والأسود: جموع بأمّها وأبيها تُمارس طقوساً هيجانية برّانية لا مثيل لها في أي دولة أخرى! أو عند أقوام آخرين، من دون أن تنتبه أو تفطن أو تعي، أنها بذلك تدلّ إلى مدى عمق انفصامها المَرَضي! ومدى تأصّل الدونية في تركيبتها! ومدى حاجتها الدائمة إلى تعبئة النقصان (أو الفراغ!) في ولاءاتها العمومية و«الوطنية» و«الشاملة»!

 

والقياس عدّة الشّغل والتحليل: مناسبة «المونديال» تُظهر عوارض المرض بلطافة وهضامة في غالب الأحيان لكنها لا تطمس ذلك المرض وخطره وسواده، بل هي (للمفارقة) تثبّته وتلمّعه! بحيث أن «الانتماء» الكروي والرياضي لاحق (ملطّف) على «انتماء» مذهبي أو طائفي أو سياسي عابر فوق الحدود الكيانية جغرافياً وغرائزياً.. وهذا بالمناسبة ما يحيل الاستنتاج إلى كآبة صافية: عنوان الافتراق غير مهم.. المهم هو تأكيد المعطى ذاك والبناء عليه مشاريع ورؤى وتنظيرات وتفخيمات ومبالغات وتخرّصات ما أنزل الله بها من سلطان!