لعله لأن العالم لم يكن بهذا الاتساع الذي أصبح عليه الآن، ولعله لأن وسائل الاتصال والاعلام قد أضحت فائقة التطور والسرعة والدقة التي تتيح لها نقل المعلومات الى أقاصي المعمورة في غضون دقائق معدودات، بل لأن الدنيا كلها قد أصبحت قرية إعلامية واحدة، بل أكثر من ذلك لأن العالم العربي والاسلامي معني بل مهدد في الصميم الآن فإن ما جرى الاسبوع الماضي في بشاعته ودمويته ووحشيته سواء في باريس أو عندنا في ضاحية بيروت الجنوبية قد هز الدنيا كلها من الأعماق وما زال. فقد أصبحنا في ظل تلاحق الأحداث وتتابع الاعتداءات وتحت وطأة التوقعات مستمرين امام شاشات التلفزة أو مشدودين إلى هواتفنا الجوالة نرقب دون انقطاع كل جديد وأي طارئ مستجد في صراعنا المصيري مع الارهاب.
لم يشهد تاريخ البشرية قط خطراً بهذه الضراوة والشمولية لجهة قدرته الشريرة على التحرك الاجرامي والضرب الموجع في آن معاً وفي بلدان عدة ومناطق مختلفة وأكثر من مكان واحد. إن حرباً عالمية شاملة قد فتحت علينا أبواب الجحيم الآن. وتظهر الوقائع والأدلة والنتائج الأولية لأجهزة الاستخبارات العالمية ان تنظيم «داعش» الجنوني الدموي ليس وحده في تنفيذ مخططاته التدميرية، بل يسود اعتقاد يستند الى الوقائع ان ثمة شبكات ارهابية اخرى تتقاطع وتتواصل معه وتقدم له يد العون والمساعدة الفعالة من أجل قلب العالم كله رأساً على عقب. فكأننا نواجه إرهاباً أُممياً يشمل قارات عدة قادر على نشر الذعر والهلع دون توقف على طول امتداد خط المواجهة: من واشنطن إلى لندن إلى باريس مروراً ببلجيكا وألمانيا وروسيا ووصولاً إلى ليبيا ومصر والسعودية والكويت واليمن والصومال بل إلى تونس والجزائر وأعماق افريقيا السوداء.
إن عالمية بل أممية الارهاب في المعركة المخيفة الدائرة الآن تستدعي مواجهة عالمية أممية كونية أكثر جدية بكثير، من التحالف الأممي الجوي الذي تقوده اميركا أو تلك الحملة الجوية الروسية التي اتخذت من سوريا قاعدة انطلاق لها. فقد أصبحت سوريا وأزمتها المستفحلة وبشار الأسد ونظامه الديكتاتوري العنوان الأول في المعركة ضد الارهاب.
وقد تحول العراق الممزق إلى دويلات وطوائف ومذاهب واثنيات غير قادرة على العيش معاً بسلام، في ظل سرطان تنظيم «داعش» إلى عنوان آخر كمصدر للإرهاب. فأمام سمع وبصر الدنيا بأسرها يتمدد ويتوسع «داعش« في العراق وسوريا، يتغذى من بيع النفط في السوق السوداء، وينظم صفوفه ويزداد شراسة وقدرة على ابتداع المزيد من أساليب جديدة في تصدير الإرهاب. هذا وسوريا تكاد أن تدمر بأسرها بفعل خليط لا يصدق من الفصائل والمجموعات المسلحة غارقة حتى العظم في حرب جنونية فيما بينها وفي مواجهة النظام الأسدي وما استدعاه من حلفاء من أجل بقائه في سدة الحكم. موجات متلاحقة من الشعب السوري وبالملايين تتدافع نحو بلدان الجوار وتلقي بنفسها في عباب البحار طلباً للنجاة والبقاء على قيد الحياة.
حقاً لقد برّ بشار الأسد بوعده الفاشي بأنه في حال تعرضه هو ونظامه للخطر، فلسوف يحوّل المنطقة العربية كلها من بحر قزوين إلى بحر العرب إلى كتلة من نار. بل قد باغت الدنيا كلها بمخلوق هو وحش عجيب دموي لم تشهد البشرية مثيلاً له قط هو «داعش». وفي ظل الرعب والهلع الذي اجتاح العالم، يدفع الشعب السوري وقضيته العادلة الأثمان. بل تكاد قضيته أن تضيع في لجة الإرهاب. فلم يعد مصير الشعب السوري، ولا مستقبل وطنه وأرضه وشبابه وأطفاله موضوع النقاش الدائر في العواصم، بل مصير الأسد وطاقمه أصبح هو المحك والمعيار. فحتى قمة العشرين في تركيا (أنطاليا) طغى على جدول أعمالها ولقاءات رؤساء دولها الملف السوري.
إننا في الوقت الذي هزنا من الأعماق أن تدفع فرنسا أم الحريات والشرائع الإنسانية من دماء شعبها، ومن أمن أهلها وعيشهم ثمناً باهظاً لأعمال الإجرام، قد هزنا أيضاً وفي الوقت نفسه الجريمة القذرة التي ضربت الضاحية الجنوبية. فأهل برج البراجنة هم إخوة لنا وشركاء معنا في الوطن الصغير. فإن كنا عارضنا وبصلابة وعناد سياسة حزب الله في الانغماس والتورط في الحرب السورية، تلك السياسة التي طالما حذرنا من تبعاتها المدمرة علينا، فإن ذلك لا يعني مطلقاً وذلك عبر موقف حاسم لا لبس فيه أبداً أن تستسلم لمشيئة الإرهاب.
لا! لن نفقد الصواب ولن نضيع اتجاه البوصلة وسنبقى نواجه الإرهاب تماماً كما نواجه أي مشاريع ومقترحات لبقاء أو استمرار الأسد. ولن تطمس قضية الشعب السوري العادلة والمعركة مستمرة!