IMLebanon

شكراً.. فاروق الشرع!

لم يكن أحد من اللبنانيين، لا سيما من المتابعين، ينتظر أن يبلغه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع بحكاية الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي، وتالياً قصة مزارع شبعا التي صورت الانسحاب وكأنه «فخ» أو «كذبة». فقد باتت أسرار تلك الفترة معروفة للجميع، تماماً كما باتت بعدها جلية مسائل مثل تلال كفرشوبا والخط الأزرق وصولاً الى العدوان الإسرائيلي في تموز العام 2006.

لكن أن يروي الشرع هذه الحكاية، ولو مجزأة في أكثر من مكان من مذكراته التي صدرت أخيراً بعنوان «الرواية المفقودة»، فليس من قبيل تأكيد المعروف فقط انما لاعادة تأكيد الحقيقة التي غابت عن البعض(هل غابت أم غيبت؟!) وهي أن النظام السوري لم ينظر يوماً الى المقاومة في جنوب لبنان وتحريره من الاحتلال إلا من زاوية خدمتهما، أو عدم خدمتهما، لقضيته في الجولان المحتل من ناحية، وللدور السياسي الإقليمي الذي يريد أن يلعبه بالتفاهم، أو في مواجهة، الولايات المتحدة والغرب عموماً من ناحية ثانية.

ماذا قال وزير الخارجية السوري يومها في مذكراته عن تلك الفترة؟.

قال الشرع، الذي كان يشارك في حينه في مفاوضات سياسية مباشرة مع الإسرائيليين بينما كان رئيس الأركان العماد حكمت الشهابي يشارك في مفاوضات عسكرية، إنه عشية القمة التي عقدت بين الرئيسين السوري حافظ الأسد والأميركي بيل كلينتون في 26 آذار العام 2000، جرى حوار هاتفي بينهما قال فيه كلينتون للأسد: إن لرئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك «مطالب لا بد أن يحصل عليها بالتزامن مع إعادة ترسيم الحدود وتأكيد وديعة (رئيس الوزراء السابق اسحق) رابين، وهي بدء المحادثات اللبنانية« مع إسرائيل. 

لكن الأسد، كما قال الشرع، رد بالحديث عن «ضرورة أن تبدأ لجنة فنية من الجانبين (الإسرائيلي والسوري) بترسيم حدود 4 حزيران العام 1967، وأنه عندها فقط يمكن القول إن تقدماً حصل، الأمر الذي يشجع اللبنانيين حينذاك على الدخول في المفاوضات» التي تريدها إسرائيل… ليضيف الشرع قائلاً إنه هنا «دخل لبنان في المفاوضات، الأمر الذي سيظهر لاحقاً بقرار باراك الانسحاب من الجنوب اللبناني في 25 أيار 2000… بعد انهيار المسار السوري (في القمة التي جمعت الأسد وكلينتون قبلها بشهرين في 26 آذار) ثم إبقاء سوريا ملف مزارع شبعا مفتوحاً».

أهمية كلام الشرع في مذكراته، وقبله كلام الأسد لكلينتون، تكمن في أنه كان معروفاً لدى الجميع ولدى السوريين واللبنانيين تحديداً، أن باراك كان قد قرر قبل ذلك بشهور (وكشف قراره هذا في مقابلات وتصريحات علنية) الانسحاب من الجنوب والبقاع الغربي من دون أي مفاوضات أو ترتيبات مع الجانب اللبناني.

وفي ضوء ذلك يقتضي طرح السؤال: إذا كان لباراك ما يدعوه لاشتراط «المحادثات اللبنانية» قبل، وربما في أثناء، البحث بإعادة ترسيم الحدود مع سوريا، فما الذي دعا الأسد لاشتراط أن تبدأ هذه المحادثات فقط بعد مباشرة، وحتى نجاح، عمل اللجنة الفنية السورية/الإسرائيلية في إعادة ترسيم الحدود… بدليل حديثه عما وصفه بـ«التقدم الذي يشجع اللبنانيين» على الدخول في المحادثات؟.

وأكثر، لماذا مات حافظ الأسد بعد ذلك بشهور، ثم حل بعده نجله بشار حاكماً لسوريا طيلة خمسة عشر عاماً حتى الآن، من دون أن يقدم أي منهما للدولة اللبنانية (أو حتى للأمم المتحدة التي طلبت ذلك) وثيقة سورية رسمية تعترف بلبنانية مزارع شبعا؟.

ثم لماذا كان ترسيم الحدود بين سوريا وإسرائيل في الجولان، وهي منطقة محتلة، مقبولاً من نظام الأسد ويجري التفاوض بشأنه يومها، بينما كان ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا في المنطقة ذاتها غير مقبول لأن المنطقة محتلة؟.

واقع الحال أن القسم الأكبر من مآسي لبنان منذ ذلك التاريخ، بما فيها عدوان تموز التدميري العام 2006 وما سبقه وتلاه، يتحمله موقف النظام السوري هذا، ليس إزاء الاحتلال الإسرائيلي للجنوب والبقاع الغربي وإمكان سحب قوات الاحتلال منهما من دون مفاوضات فقط، إنما أيضاً إزاء فتح أبواب مخازن الأسلحة في سوريا وإيران معاً وإرسالها الى لبنان تحت عنوان «دعم المقاومة» ضد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب. وليس خافياً أن هذه الأسلحة (أكثر من مائة ألف صاروخ، كما يقول «حزب الله» حالياً) هي في أساس المعضلة التي يعيشها لبنان الآن، والتي تستنزف أهله في أمنهم واقتصادهم ومالهم وحياتهم كلها… وحتى في أسلوب وطريقة ممارسة هذه الحياة.

شكراً حضرة النائب السابق لرئيس الجمهورية العربية السورية، السيد فاروق الشرع، على ما قلته في مذكراتك عن تلك المرحلة من تاريخ لبنان… المرحلة التي جرى تزويرها في دمشق وبيروت معاً، ليس سياسياً وإعلامياً فقط إنما جغرافياً أيضاً عبر تزوير خرائط معينة لمنطقة مزارع شبعا.

وشكراً بشكل خاص، لأن بعض ساسة لبنان لا يزالون ينكرون هذه الحقيقة ورفعوا في مثل هذه الأيام من العام 2005 لافتتهم المشهورة «شكراً سوريا«!