IMLebanon

ازدهار التنوع السياسي يُصاب بنكسة في عصر الإهتراء

ازدهار التنوع السياسي يُصاب بنكسة في عصر الإهتراء

فضيحة ووترغيت تعود الى التحليق

في أجواء ادارة جديدة مليئة بالمحاذير القانونية

القصة عمرها خمسون عاماً تقريباً. كان الرئيس دوايت ايزنهاور جنرالاً باهراً، رشحه الحزب الجمهوري الأميركي لرئاسة الولايات المتحدة.

ذهب يومئذٍ الى والدته، وطلب نصيحة المرأة التي زرعت فيه الشجاعة، وقال لها صراحة، ان الحزب الجمهوري الأميركي اختاره لترشيحه لرئاسة اكبر دولة في العالم، فماذا تقترح عليه أن يفعل. اطرقت والدته هنيهة، ثم سألته لماذا أنت خائف يا جنرال. ورد بانه رجل عسكري وليس سياسياً. الا ان امه قالت له ان السياسة هي اخلاص قبل أن تكون علماً. واذا كنت مخلصاً للأمة فعليك أن تختار القرار المناسب. تقدم الجنرال ايزنهاور من والدته، وطبع قبلة على يدها، ورحل.

لم ينبس جنرال البيت الأبيض الجديد بأي كلمة، لكنه اتصل من مقر الحزب الجمهوري الأميركي بالسيد ريتشارد نيكسون وعرض عليه أن يكون نائب الرئيس الأميركي. فوافق على العرض.

بعد أسابيع اتصل الرئيس ايزنهاور ب البكباشي جمال عبد الناصر بواسطة أحد ابرز مساعديه، واتفق معه على ان يكون فؤاد شهاب قائد الجيش اللبناني رئيساً للجمهورية اللبنانية، لإخماد ثورة في شمالي لبنان، مضى على اشتعالها تسعة أشهر. يومئذ لم يكن فؤاد شهاب متحمساً لحكومة يرئسها رشيد كرامي وتضم حسين العويني، ولا تضم زعيماً مسيحياً اسمه الشيخ بيار الجميل ومنها وزير ماروني من بلدته بكفيا اسمه يوسف السودا.

قامت على الاثر ثورة او انتفاضة مسيحية، ضد الحكومة التي اختار اللواء الأمير فؤاد شهاب رشيد كرامي لرئاستها والحاج حسين العويني لعضويتها، وخلت من أي زعيم ماروني.

بدت البلاد وكأنها على أبواب فتنة جديدة، فتحرك العميد ريمون أده وأوفد صديقاً له الى فؤاد شهاب، واقترح عليه تأليف حكومة رباعية تضم رشيد كرامي وحسين العويني عن المسلمين وبيار الجميل وريمون اده عن الموارنة واستطاعت تلك الحكومة التي سُميت بحكومة التكميل تنفيذ احكام الإعدام، خصوصاً بالتكميل وفرضت الأمن في البلاد، ثم قدم عميد حزب الكتلة الوطنية استقالته منها.

هذا ما حدث في الداخل، فماذا حدث في الخارج.

بعد انتهاء ولاية الجنرال دوايت ايزنهاور انتخب نائب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون رئيساً للولايات المتحدة، وكان رجلاً حاد الذكاء، سريع البديهة، شجاعاً في اتخاذ القرارات الصعبة، مثل مَنْ سبقه الى الرئاسة. في العام ١٩٧٣ انتخب الشعب الأميركي ريتشارد نيكسون رئيساً للولايات المتحدة للمرة الثانية. وفي الأشهر الأولى من ولايته، زار وفد لبناني الولايات المتحدة، وقيل له ان ريتشارد نيكسون سيحكم أميركا بحنكة وحزم، لكن اللغط الأميركي بدأ يزداد حول اقدام جهابذة الحزب الجمهوري بالتجسس على مقر الحزب الديمقراطي الأميركي الصلب، نفى تلك الشائعة التي راحت تزداد في المحافل الأميركية، كما تزداد الآن الأحاديث الغامضة عن تجسس الرئيس الأميركي الجديد ترامب على الحزب الديمقراطي بزعامة الرئيس المنتهية ولايته أوباما.

الا ان الرئيس نيكسون عاد واعترف بان معه خبر بالتجسس على مقر الحزب الديمقراطي الأميركي في شارع ووترغيت فقدم استقالته مرغماً، وحل مكانه نائبه جيرالد فورد.

هل يعيد التاريخ نفسه، فيعترف الرئيس الأميركي الجديد ترامب بانه اتفق في اثناء الإنتخابات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على مقر الحزب الديمقراطي مما سهل له امر الإجهاز عليه.

الا ان الرئيس السابق اوباما ماض في سياسة تجريد الرئيس الأميركي الجديد من قوته، وهو يتحدث عن اعادة فضيحة ووترغيت الى البروز بعد خفوت استمر قرابة نصف قرن. في ٢٩ تشرين الاول، ومع انكشاف فضيحة ووترغيت قيل انه لو اعترف نيكسون بانه كان على علم بقضية التجسس على مقر الحزب الديمقراطي الأميركي في شارع ووترغيت لمرت القضية بهدوء، مثلما مرت لاحقاً فضيحة الرئيس الأميركي كلينتون، حول علاقاته الجنسية – ولو بالفم – مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي.

وكشف مستجدات الأسبوع الماضي، الواحدة تلو الأخرى، الضغوط التي يمارسها ترامب على الأشخاص الذين عينهم في مناصبهم ومحاولته اغلاق التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي في المسألة الروسية والتغريدات التي يطلقها، لانكار أي أخطاء من جانبه وتجنب الانتقادات. وكاننت اقالة الرئيس ترامب لمدير الأف. بي. آي جيمس كومي، تندرج ضمن حقوقه، لكنه كان مشابهاً بطريقة غير مريحة لمجزرة ليل السبت التي انكشفت فيها فضيحة ووترغيت. ويقال ان هوس ترامب بالولاء الشخصي لموظفي حزبه موثق جداً، ويكمن الخطر الآن، كما في حقبة ووترغيت بان تشكيل هذا الامر تهديد لفصل السلطات وللدستور وللديمقراطية.

وهذا ما جعل الرئيس اللبناني يستسهل العودة الى قانون الستين في الانتخابات النيابية المقبلة، عوضاً ان يترك البلاد بلا قانون. وفي رأيه ان بلداً يعيش مضطراً في ظل قانون انتخابي اعرج، أفضل من البقاء سابحاً في الفضاء، من دون قانون غير قابل للتصحيح أو للتصويب في وقت لاحق.

صحيح ان رئيس الجمهورية يستوعب التسوية السياسية التي قادته الى السلطة، لكنه يأبى أن يتسلط على الناس باسم قانون غير متكافئ، لكنه قابل للتصحيح.

ولو عاد المراقبون الى القوانين القديمة لوجدوها افضل من القوانين الجديدة العابرة لكل الأخطاء السائدة. كان المرحوم واصف فتال رجلاً طيباً، وعاش في طرابلس اللبنانية على هذه المبادئ النظيفة، الى ان اضطر للسفر الى غانا البلد الأفريقي العائم على الخير. وهناك ابتسم له الحظ، واصبح رجل العمل البنّاء في اكرا وصديقاً للحكام، لا للذين يرودون الأعمال.

وذات مرة ذهب مسؤول كبير في شركة لبنانية، عندها مشاكل في افريقيا. وعندما وصل الى غانا سأل عن واصف فتال، فاعطوه عنوانه ورقمه الهاتفي. بعد ساعات رفع المهندس عادل دريق كبير المهندسين في شركة كات سماعة الهاتف، وبادره انه في مهمة وضعها في عهدته المهندس اميل البستاني، فرحب به الرجل، وقال له انه سيكون عنده بعد ساعة. وعندما وصل الى الفندق رحب به بحرارة لانه كان يعرف من هو الرجل الذي يقصده. ثم دعاه الى مرافقته. اعتقد المهندس عادل دريق ان واصف فتال يصطحبه الى شخص طرابلسي مقيم في عاصمة غانا. وعندما وصلا معاً الى قصر فخم قدمه الى الرجل الذي يقصده: فخامة الرئيس يطيب لي أن أقدم اليكم، أحد أبرز الوجوه اللبنانية الذي يليق برئيس جمهورية غانا التعرف اليه.

ذهل المهندس عادل دريق بما فعله صديقه الطرابلسي القديم، وبعد ساعة كانت المشكلة قد حلت على القانون الساري المفعول في البلد الافريقي العائد الى الحرية بعد الاستعمار، وكيف أصبح المواطن الذي كان يحب الفلافل الطرابلسية يحب ايضاً معاشرة الكبار والنافذين في العالم الجديد.

كان المهندس عادل دريق كبيراً في وطنه، لكنه شعر ان هناك مواطناً كبيراً آخر، حضر من عاصمة شمالية، الى حاضرة غانية، واصبح يتكئ، لا على ثروة بل على سمعة طيبة، في القارة السمراء.

وعندما عاد الى لبنان، فوجئ النائب الراحل اميل بستاني، بان موفده الى غانا يعود اليه بثروة لا يحصل عليها اي انسان بسهولة، مع انه كان انساناً متواضعاً. وعندما عاد واصف فتال الى العاصمة الثانية، ترشح للإنتخابات النيابية، واعطته مدينته طرابلس عشرات الآلاف من الأصوات، واصبح زعيماً في حزب لبناني عريق، لا مجرد ساع الى موقع متقدم في وطنه، ثم انتخبت كريمته عضواً في مجلس بلديتها، لترعى حقوق الإنسان الذي له حق للانسان، وعليه واجب تجاه المدينة العزيزة على قلبه.

وهذا ما كان يفعله كبير المهندسين في شركة كات الكائنة مكاتبها في ارقى شوارع العاصمة اللبنانية بيروت.

رائد التنوع السياسي

كان الرئيس حسين الحسيني رائد التنوع في الحقل الإنساني والفكر البشري، لكنه كان أيضاً يود التطرق الى ما سُمي بالمسألة الشرقية او قضية الاقليات المسيحية التي تعود تحديداً الى زمن الحكم التركي حيث كانت الامبراطورية العثمانية تضم قوميات واعراقاً متعددة.

وفي مقدمة كتاب سيادة الاستقلال ذاكرة الأيام الاتية للعميد عدنان شعبان، راح يدعو الرئيس السابق لمجلس النواب اللبناني الى توثيق علاقاته برجالات الوطن وفي مقدمتهم رؤساء الجمهورية اللبنانية، في اطار التنوع والعيش معاً، وهما من صلب تكوين الوطن.

واذا كان من بقية باقية من اثار المسألة الشرقية في عصرنا الحاضر، فاننا قد نجدها في جزيرة قبرص حيث التعايش، لا العيش بين الجاليتين اليونانية والتركية، ما زال غير قابل للتحقيق حتى الآن.

ويروي النائب الراحل موريس فاضل انه زار الجزيرة، مع وفد طرابلسي بعد احتلال تركيا للقسم الأجمل منها، وفي مقدمتها مدينة فماغوستا ذات الأكثرية اليونانية، انه عندما استقبله زعيم الجزيرة المطران مكاريوس بادره بأنهم يتحدثون الان عن قبرصة تركيا وغداً سيتحدثون لاحقا عن قبرصة لبنان لان المخطط الاستعماري سيركز في المرحلة الاتية على القبرصة بديلا من سايكس بيكو للتعبير عن المخطط الرامي الى تقسيم البلدان الى عدة دويلات طائفية.

كان ذلك في العام ١٩٧٥، وعندما رجع الوفد الطرابلسي الى بيروت، فوجئ الراجعون من لارنكا البلدة القبرصة، بعد احتلال الاتراك لنصف عاصمة الجزيرة نيقوسيا، بان الاحداث في لبنان قد بدأت، خصوصا بعد تظاهرات سياسية يتقدمها اليسار اللبناني تأييداً للمقاومة الفلسطينية بزعامة الاستاذ كمال جنبلاط، والاحزاب الموالية له.

وبعد ٢٤ ساعة، اتصل نائب طرابلس الارثوذكسي، بزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، ووضعه في اجواء الحديث الذي جرى بينه وبين الرئيس مكاريوس، الذي اتصل ايضا بالزعيم العربي جمال عبد الناصر ووضعه في الاجواء التي يسعى الاميركان الى اشعالها في لبنان والمنطقة، وحذره من انتقال المرض الاميركاني الى المقاومة الفلسطينية.

ويقول الرئيس حسين الحسيني في مقدمته ان المسيحيين في لبنان، كانوا في طليعة المقاومين لحملة تتريك لغتهم العربية، وكان لهم الفضل الاول في حفظ مستندات لغة القرآن ونصوصها في اديرتهم ورهبانياتهم، ثم حملتها ايادي رجال مخلصين، وكانوا شركاء اساسيين فيها في عصر النهضة، وعلى خطى المصلحين الكبار من العلماء كجمال الدين الافغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وسواهم، وتعدى نشاطهم ذلك، فنادوا بالوحدة السورية بداية، وانشأ المعلم بطرس البستاني جريدة نفير سوريا، مروراً بالدعوة الى الوحدة العربية على يد امثال ابراهيم اليازجي وغيرهم وغيرهم.

ويقول الرئيس الحسيني ان النخبة المسيحية كانت تهدف الى الخلاص من الحكم التركي وتعزيز مقام المسيحيين في الاقطار العربية من جهة، والى الغاء التمييز بينهم وبين مواطنيهم المسلمين من جهة اخرى، ولم تتخذ فكرة الوحدة العربية، الطابع الشمولي بعد ان كانت ذات طابع مسيحي الا ان اتحادات القوى العربية حيث المسيحية والاسلامية ضد الحكم التركي.

وبدلا من زوال عقد الخوف والهواجس التي تكونت في الحقبات الغابرة، بزوال الامبراطورية العثمانية وانشاء الكيان اللبناني، اذا ببعض المستفيدين من مختلف الفئات والطوائف، يستحدثون تخويفا ذاتيا ظاهره الخوف من دمج الكيان اللبناني في اي وحدة عربية، وباطنه تحجير الدولة عند صيغة موقتة، جعلت من الدولة، دولة اشخاص، منعتها من الانتقال الى دولة القوانين والمؤسسات تحت شعار المحافظة على الاقليات المسيحية، من خطر تذويبها في الاكثرية الاسلامية.

ويقول الرئيس الحسيني انه مما ساعد في نشر حالة التخويف وتمكين اصحابها من استخدامها، انما هو موقف الاكثرية في المحيط العربي الناتج عن العلاقات السابقة مع الاستعمار، والذي تسبب في تجزئة الاقطار العربية الى دول، وفي قيام اسرائيل على ارض فلسطين. وفي الاستخدام الوظيفي لخوف الاقليات، بالاضافة الى الحلم باسترجاع ماض مجيد.

هذا الكلام كتبه الرئيس حسين الحسيني في العام ٢٠١٦، ويعكس مشكلة الاقليات في هذا الشرق.

والسؤال الكبير: هل تؤدي بعثرة الاقليات، وتشتت الكيانات ونشوء الدويلات الطائفية الى تغيير مظاهر العالم العربي، من سوريا الى العراق ومن صنعاء وعدن الى مسقط وعُمان الى التغيير الجارف في خريطة العالم العربي، مع ما تشهده تركيا، بعد زوال الامبراطورية السوفياتية وبروز عصر الرئيس بوتين في روسيا، على اسقاط عصور غورباتشوف وبريجينيف وبودغورني. انه عالم شاسع يتغير، وتحل مكانه امبراطوريات جزئية، مكان الامبراطوريات الكبرى.

وهل ظهور دويلات داعش والنصرة منذ العام ٢٠٠٠ في الولايات المتحدة هو بداية عالم جديد يقوم على الفتك بالاقليات وتدميرها وهل تحرك الاميركان في عصر الرئيس ترامب يهدف الى القضاء على التغيير الذي حاول سلفه الرئيس اوباما، احداثه في الادارة الاميركية، على انقاض مرحلة سابقة ومغايرة للحالة الجديدة.

عندما كتب الرئيس حسين الحسيني مقدمة كتاب سيادة الاستقلال ذاكرة الايام الآتية، للعميد عدنان شعبان، كان يدرك ان صاحب الكتاب، مارس مسؤولياته في السلطة كصاحب عقل نظيف، واحد ابرز رواد الحضارة السياسية في العصر الحديث، ولم يكن يورد مجاملات عابرة، لان الكاتب عرف كيف تكون المواجهة للواقع الخاطئ، تعبيرا عن ارادة واعية للتصحيح، تصحيح الاخطاء في الحكم، والتسليم بالحقائق التي جرى تغييبها، تحت عناوين مختلفة ابرزها تجميل السلطة وهي غير جميلة، وتنزيه المسؤولين عن الاخطار، وهم ليسوا نزيهين ولا ممن ارادوا النزاهة غالباً.

وكما وعى الرئيس الحسيني، حقيقة ما يجري على الساحة العربية، فقد وعى العميد عدنان شعبان قصة الحاكم المسؤول، البعيد، عن صلف المسؤول، ساعة يكون مطلوبا منه ان يستسلم لعسف السلطة، وهي لم تخلق الا لتكون سلطة عادلة، تتسم بالنزاهة والحكم، في احيان كثيرة لا تكون، لا الحكمة ولا النزاهة في المكان المحسوب او المطلوب.

استشهادات سياسية

كان يحلو للرئيس الحسيني ان يستشهد باقوال المفكر اللبناني شارل عيساوي، في محاضرة له في الندوة اللبنانية في شباط ١٩٤٧: بعض البلدان تعتبر وهو اعتبار خاطئ، ان التعليم مسألة كمالية، اما وبالنسبة الى لبنان، فان التعليم هو ضرورة حيوية.

ويستشهد الرئيس الحسيني بأقوال للرئيس تقي الدين الصلح في محاضرة له في الندوة اللبنانية في العام ١٩٥٣: ان تخلي لبنان عن رسالته الثقافية، يعني زوال مبرر وجوده.

ويتذكر قول الامام المغيّب السيد موسى الصدر، بان العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين هو ثروة وطنية وعربية وانسانية ولا ينسى قول الحبر الاعظم يوحنا بولس الثاني ان لبنان اكثر من وطن، انه رسالة.

ويعقب بدوره: ونحن من القائلين اليوم في هذه اللحظات من مصير الوطن، ومن مصير الدولة اللبنانية والتجربة اللبنانية تتساوى الامور جميعا وتتجلى حقيقة واحدة: لا لبنان لطائفة واحدة، ولا معنى للعروبة اذا لم تكن تعني الاعتراف بالطوائف وتعايش الطوائف وتكامل الطوائف.. ولا معنى للعروبة اذا تواجدت الطوائف ولم تعرف عزلة طائفية واحدة.

ويختم الرئيس الحسيني: ان الانتماء الكلي وطنيا كان او انسانيا ليس سوى سعي دائم اسمه الحوار، شرط ان يكون رجاؤه نابعا من القلب، وشرط ان يكون هدفه اظهار الحق.

وصاحب الكتاب عرف كيف يعيش في بلده حراً بين الاحرار، يغالب الاخطاء، ويتحرر من ادران الطوائف، لانه ظل طوال حياته فوق الطوائف.

ثمة حقيقة غامضة، مفادها ان المؤلف استدعي او قام بزيارة رؤساء جمهورية عديدين، وكان يترقب منهم الانصاف، لكنه كان يفاجأ بان الانصاف الذي راهن عليه كان يتبخر ويزول من دون تحديد الاسباب.

ومن الاسئلة العديدة التي طرحها المراقبون، هل كان عدنان شعبان الشاب الدرزي يعيش في عالم لبناني غير طائفي، فلم يلتحق بطائفته، ولم يهجر الطائفة المسيحية التي عاش في كنفها، ام كانت السلطة في البلاد للطائفة لا للوطن.

صحيح انه حاول طوال حياته، ان يبتكر وظيفة تليق به او تليق بالدولة التي حاول انعاشها بافكار بعيدة عن الطوائف، فكان يواجه في كل مرة بافكار متخلفة حيناً، او مريضة احياناً، ام انه كان اللبناني الوحيد الذي عاش في عالم غير لبناني الاهداف والانتماء.

في احدى المرات، عندما كان يرئس جهاز الامن القومي في وزارة الدفاع، بادر الى معارضة افكار رئيسه القوي النفوذ لان منطلقاتها عالمية لا قومية ولا وطنية، لكن رئيس الجمهورية الياس سركيس تبنى وجهات نظره، لانها كانت تنطوي على افكار دولة لا افكار شخص، وهذا ما جعله يعلو على الاسباب المنافية لمنطق الدولة، كما كان يقول الرئيس حسين الحسيني.