IMLebanon

البلاد امام مسارات محدودة: تغيير الحكومة او العصيان المدني او المجهول

 

بات السؤال الذي يقلق كل اللبنانيين في الساحات وفي غيرها، من سياسيين وقوى مختلفة، الى أين يسير البلد في ظل المأزق غير المسبوق الذي دخله الوضع الداخلي على وقع الانتفاضة الشاملة التي يعبر عنها المواطنون في مختلف المناطق، بينما الحكومة ومعها بعض القوى السياسية تتعاطى مع ما هو حاصل بكثير من الخفة والتمسك بنفس السياسات السابقة؟

 

وفق اكثر من مصدر سياسي يتابع بدقة مسار الامور خلال الايام الماضية، فما حصل من «هبّة» شعبية لم يكن احداً في الدولة وعلى مستوى أكثرية القوى السياسية يدور في ذهنه أن وجع المواطن سيبلغ هذا المستوى من الرفض للطبقة السياسية، حتى وصلت الامور الى ما يزيد على الانتفاضة الشعبية لم يشهد لبنان مثيلا لها منذ عشرات السنوات، بل وتوحد اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب ومن تيارات وقوى سياسية، رغم بعض النتوءات التي حصلت في الايام الماضية في بعض الاعتصامات والتظاهرات وما حصل ويحصل على مواقع التواصل الاجتماعي من جهات داخلية واقليمية متضررة من الاستقرار وما تمثله المقاومة من معادلة صعبة في مواجهة المشاريع التخريبية والتآمرية».

 

ولذلك، تضع المصادر مقارنة متشائمة حول مسار الواقع القائم بين تعاطي السلطة المجتزأ مع طبيعة الازمة ومسبباتها وبين المطالب المحقة للمعتصمين وما تمثله الانتفاضة على المستويات الشعبية والسياسية والمدنية على المستويات المالية والحياتية وما بينهما من ملفات فساد وضرورة استعادة المال العام والانكباب على تنفيذ خطة شاملة تعالج الوضع الداخلي المأزوم، بحيث بات هناك «هوة» كبيرة بين هموم المواطن وأزماته وبين «التطنيش» المتعمد للسلطة على معالجة الأسباب الحقيقية للأسباب التي أوصلت البلاد الى حدود الفوضى والانهيار الشامل، بعد ان دخلت مرحلة الانهيار الجدي.

 

فعلى الجانب الشعبي وما بلغه الحراك الى أبعد من انتفاضة، فهناك اطراف تحاول «ركب» موجة وجع الناس لغايات حزبية وسياسية مشبوهة ترتبط بالاجندات الخارجية وفي الحد الأدنى دفع الوضع الداخلي نحو الفوضى والانهيار انتقاما من العهد ومن المقاومة والقوى الداعمة لها، وهذه الجهات يجب كشفها ومنعها من السعي الى استغلال الحراك الشعبي لغايات وأهداف لا تخدم المصالح الوطنية، وايضاً دخول جهات مشبوهة في اليومين الماضيين لمحاولة تشويه اهداف انتفاضة الناس، والاكثر انكشافا لجوء جهات خارجية لدفع بعض الاشخاص بواجهة دينية لتوزيع اموال على بعض المحتجين والذين بحاجة الى ربطة الخبز، وكذلك اللجوء الى التعرض للكرامات الشخصية لكثير من المسؤولين بدل توجيه البوصلة نحو احداث تغيير حقيقي في الواقع المأزوم.

 

ورغم هذه الشوائب ومحاولات استغلال المتظاهرين، لكن احدا في الدولة او اي جهة سياسية لم يعد في امكانها القفز فوق وجع اللبنانيين الذين نزلوا الى الشارع او تسمروا في منازلهم انتظاراً للفرج الاتي، وبالتالي اصبحت ما يسمى الورقة الاصلاحية التي أقرت في اجتماع مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي من الماضي حتى لو تمسكت الحكومة وقواها السياسية بمضمونها، بعد ان تجاوزت مطالب الانتفاضة العارمة الوعود الفضفاضة التي تضمنتها الورقة ومعظمها غير قابل للتنفيذ كونها جاءت عامة ولم تحدد اي اجراءات او خطوات عملية وسريعة لوقف نهب المال العام واستعادة المال المنهوب، الى جانب ما هو مطلوب من اعداد خطة شاملة وواضحة لا تعالج فقط الازمة الحالية على المستوى النقدي والمالي وانما وضع خطة اقتصادية وحياتية شاملة منطلقها الاساس وقف النهب واستعادة المال المنهوب حتى يمكن تأمين مقومات تنفيذ هذه الخطة وانعاش الاقتصاد وتحقيق الحد الادنى من معالجة ازمات الناس وليس التلطي وراء قرارات هي أشبه بوعد «ابليس بالجنة».

 

وتعطي المصادر عشرات البنود السريعة التي يمكن ان تحدث صدمة ايجابية في الواقع المأزوم منها رفع الحصانة عن كل من تعاقب على المسؤولية او ما زال في موقع المسؤولية من كل المستويات الى اعلى المراكز وكل الذين كان لهم دور في تنفيذ اي مشروع او التزام او وضع اليد على الاملاك العامة وايضاً تخفيض كل الرواتب الخيالية لمئات الموظفين الكبار، الى جانب اجراءات واسعة على المستويات النقدية والمالية واعادة النظر بعشرات القوانين التي تشرع الاثراء غير المشروع. وتشير المصادر الى كثير من ابواب الهدر المشرعة بقوانين منذ الستينات، خاصة خلال حكومتي السنيورة منها مثلا «ان احد المتمولين اشترى قبل ايام عقارا في احدى المناطق التي يزيد سعر متر الارض فيها عن خمسة الاف دولار، بحيث يصل سعر العقار الى مليوني دولار، ولكن حتى يتم الالتفاف على القانون وما يفترض دفعه من ضرائب للخزينة مقارنة بسعر العقار جرى انشاء شركة قبل فترة على العقار المذكور ما اتاح للمشتري التهرب من دفع الضريبة المطلوبة من خلال شراء الشركة المنشأة على العقار فقط ودفع بحدود خمسين دولارا في الدوائر العقارية مقابل شراء العقار». كما أشارت المصادر الى انه كان في امكان مجلس الوزراء ابطال شراء مبنى الـ«ام. تي. سي» في وسط بيروت مبلغ يزيد عن مائة مليون دولار وايضا ابطال توظيف ما يزيد عن خمسة آلاف شخص خلال الحكومة السابقة خلافا للقانون وتنفيذ القانون الذي يعطي الحق للناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية الى الوظائف التي نجحوا فيها والعودة الى الطائف بموضوع الوظائف في الدولة، كما كان في امكان القوى السياسية ان تتفق على تغيير الحكومة ولو اقتضى الامر الاتفاق على شكل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري وعلى البيان الوزاري قبل استقالة الحكومة الحالية، وقد جاء بيان المطارنة الموارنة بعد اجتماعه الطارئ ليشير الى التقصير الحاصل في الحكومة الحالية والحكومات السابقة. وتلاحظ المصادر ان مجلس الوزراء لم يكلف نفسه عقد اجتماعات استثنائية لاتخاذ ما هو مطلوب من اجراءات سريعة وحتى انعقاد جلسة او اكثر لمجلس النواب.

 

وعلى هذا الاساس توضح المصادر انه ورغم تداعيات اقفال الطرق امام فتح المؤسسات العامة والخاصة، فالمسؤولية عن ذلك تقع على الحكومة وقواها السياسية التي لم تسارع الى اتخاذ جملة خطوات تحدث صدمة ايجابية في الواقع المأزوم وتتجاوب مع مطالب الانتفاضة ولو في حدودها الدنيا واما «نامت على حرير» الورقة الاصلاحية التي اقرتها ولم تقنع حتى جزء بسيط من المحتجين والمواطنين على امل «ضجر» المنتفضين من النزول الى الشارع او ربما قمعهم لانهاء انتفاضتهم. ويقول ان محاولة دفع القوى الامنية خاصة الجيش للمواجهة مع المحتجين ولو لفتح الطرقات تتحمل مسؤوليته الحكومة والجهات السياسية لانها لم تحرك ساكنا تجاوبا مع وجع الناس، على اعتبار ان مثل هذا التجاوب مع مطالب الناس المحقة على المستويات الحياتية والمعيشية ومواجهة الهدر والفساد.

 

وانطلاقا من تجاهل الحكومة وبعض اطراف السلطة لوجع الناس ومطالبهم، فالمخاطر تتفاقم الى الفوضى والانهيار الشامل، وفي الحد الادنى الدخول في متاهات مجهولة ومنها العصيان المدني، وما حصل اليوم حول حفظ ملف اتهام احد المسؤولين السابقين الكبار مؤشر سلبي جدا الى عدم وجود جدية في وصول التحقيقات المطلوبة بما خص هدر المال العام الى نهاياته المطلوبة كما ان القلق حول مسار الوضع النقدي بعد فتح المصارف وخطر انهيار العملة الوطنية، حيث وصل سعر صرف الدولار لدى بعض الصرافين في اليومين الماضيين الى الفي ليرة.

 

وفي الخلاصة، تبدي المصادر خوفها الكبير من المسار الضبابي والخطر الذي قد تتجه اليه البلاد في حال استمرت السلطة والحكومة بسياسة تجاهل وجع الناس والاصرار على مزيد من اذلالهم، في مقابل التمسك بتقاسم الحصص والمغانم الشخصية والحزبية والطائفية، بدل الانكباب والمسارعة الى معالجة شاملة للمأزق الذي بلغته البلاد.