IMLebanon

إنقلاب إبن سلمان لن يمرّ

 

يمكن إدخال محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في كتب للأرقام القياسية. في الرابع من تشرين الثاني 2017، نفّذ أكبر «مجزرة أمراء» في العالم، منذ منتصف الشهر الأول من العام 1595، عندما تسلّم السلطان محمد الثالث عرش الدولة العثمانية، وقتل 19 أميراً من أشقائه واخوته وأبنائهم.

وللمرة الاولى ربما في التاريخ، يُختطف رئيس حكومة دولة مستقلة، من قبل دولة أخرى، ويُجبر على الاستقالة. وللمرة الأولى أيضاً، يَحتجز أمير حرب أحدَ حلفائه، ويطالب أعداءَه بدفع فدية لإطلاقه. وللمرة الاولى، يُطلق أمير حربٍ النارَ على أحد جنرالاته، حتى كاد يصيبه في مقتل، ثم يدفع به لمواجهة أعتى أعدائه، ويأمره بالانتصار.

ليس غريباً على السعودية خوض المعارك الخاسرة. لكنها كانت دوماً تستفيد من بطء حركتها، لتعوّض خسائرها. أما ابن سلمان، فمستعجل، بشهادة أحد أبرز المعجبين به، توماس فريدمان، في مقال كتبه في السابع من الشهر الجاري في «نيويورك تايمز».

سمير جعجع لحس كلامه وقرر الاستمرار في عدم احترامه لنفسه!

ولأنه لا يُدرك حدود قوته، ارتكب حماقة احتجاز الرئيس سعد الحريري، ظناً منه بأن لبنان لا يختلف عن مضارب الأمراء الذين سجنهم في فندق النجوم في الرياض. ومعرفة حدود القوة، هي أحد أبرز مفاتيح الانتصار في أي معركة. والاهم منها، وضع خطط للانسحاب يفوق عددها عدد خطط الهجوم. ربما لم يقل أحد لمحمد بن سلمان أن خسارة قتال كان يهدف إلى قلب الموازين في بلد كلبنان، لا تعني العودة إلى حيث كانت الجيوش تقف قبل اندلاع المعركة، بل تؤدي، حتماً، إلى فقدان الكثير مما كان لديك قبل أن تُطلق إشارة الهجوم. ثمة مثال لا يزال حياً في المشرق، وتحديداً في كردستان العراق. عندما قرر مسعود البرزاني خوض مغامرة تقسيم بلاد الرافدين، لم يؤدّ فشله إلى استعادته ما كان عليه وضعه قبل المغامرة، بل عاد إلى حدود العام 2003، مع ما لا يُعوّض من تراجعات استراتيجية، ليس أقلها دفن حلم الانفصال إلى أمد غير منظور.

في بيروت، لم يكن احد من خصوم السعودية يحلم بسيناريو مماثل لحماقة ابن سلمان: خلاف، غير مسبوق، بين السياسة السعودية وبين خيارات أبرز حلفائها في لبنان؛ كسور لا تُجبر في العلاقات بين حلفاء ما كان يُسمى بفريق 14 آذار؛ تقارب بين حزب الله وتيار المستقبل؛ تحالف بين الحريري والرئيس ميشال عون؛ ائتلاف عريض يضم إلى عون والحريري الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وحزب الله، وباقي حلفاء الأخير. والمشترك الأول بين هؤلاء هو العمل على حفظ الاستقرار. وهذا المسعى يحظى بتأييد تحالف إقليمي ودولي، يضم مصر وعدداً من الدول العربية، وكل الدول الأوروبية، والولايات المتحدة الاميركية. فالأخيرة، «حريصة على الهدوء في لبنان»، لا من زاوية «حب بلاد الأرز»، بل لأن ذهاب لبنان إلى الفوضى سيطيح بكل بنية الدولة والقطاعات المصرفية والاقتصادية والسياسية التي ترى فيها واشنطن سبيلاً لموازنة «الثقل الاستراتيجي» لحزب الله، ولمواجهته لاحقاً.

في المحصلة، أدّت المغامرة الحمقاء لولي العهد السعودي إلى تراجع دور نظامه في لبنان. كان شبه وحيد إلى جانب الأميركيين، فإذا به يُدخل شركاء سرعان ما سبقوه حضوراً وتأثيراً. وحتى لو استقال الحريري بعد أسابيع، وعادت السعودية إلى وضع ثقلها في الداخل اللبناني، فإن انقلاب ابن سلمان لن يمرّ، ولا عودة إلى خطوط الرابع من تشرين الثاني. ثمة حدود رسمها له حلفاؤه الإقليميون والغربيون، وقبْلهم صمود لبناني قلّما اجتمع على موقف مثل اجتماعه على رفض إقصاء الحريري.

حتى جنود ابن سلمان اللبنانيون عادوا إلى قواعدهم غير سالمين. أشرف ريفي يبدو منفصلاً عن الواقع. وسمير جعجع لحس كلامه عن أن «مَن يحترم نفسه يجب أن يستقيل من الحكومة»، وقرر الاستمرار في عدم احترامه لنفسه. لا شك في أن الحريري سيبتسم له، وسيعانقه. لكن ما في القلب أكثر عمقاً من أن يُمحى سريعاً. يبقى فارس سعيد. سيسجّل هو الآخر رقماً قياسياً لن يكسره أحد، في عدد المعارك الخاسرة التي خاضها، بلا كلل. آخر مرة ذاق فيها طعم الفوز كانت في الانتخابات النيابية التي هندسها غازي كنعان قبل 17 عاماً.