IMLebanon

العرقلة الحاليّة واختلافها عن سابقاتها

 

العرقلة الحكومية الحالية تختلف عن كل سابقاتها. كل سابقاتها ترتبط بواقع أن هناك من يُعطّل ويُفرّغ حتى الرضوخ لمطلبه، فريق متغلّب ولا ينظر في الضرر العام المتأتّي من التعطيل والتفريغ على أنه يصيبه هو أيضاً، بل ينظر الى هذا الضرر كضغط إضافي على الآخرين، هذا من جهة، والفرقاء الآخرون، الذين بالكاد يستطيعون ردّ التغلّب للحظة إذا اتّحدوا بالشكل الصحيح، فكيف الحال إذا لم يعُد هذا ممكناً، إلّا بأشكال متقطّعة ومتأرجحة، وهؤلاء يصيبهم الضرر الذي يخلّفه التعطيل والتفريغ بشكل أكثر إيذاء، مثلما يصيبهم ضرر الرضوخ لمطلب المتغلّب، لأجل تجاوز التعطيل والتفريغ بعد ذلك.

 

كل هذا عشناه بدل المرّة عشرات المرّات في السنوات الماضية. إذاً ما الذي اختلف الآن؟

 

المختلف أن المتغلّب نفسه صار يحتاج الى أكثر من ذلك. ليس فقط إلى حصة أكبر، ونفوذ أوسع، بل الى تكريس نفسه على أنه “موزّع الحصص”، على أنه هو الذي يشغل هذا النظام بمعرفته. يعلّقه متى أراد، ويشغّله حين يروق له ذلك. ليس فقط حصار الآخرين بالتعطيل والتفريغ، بل إفهام الآخرين بأنه لا تُردّ له كلمة.

 

والمتغلّب، في النهاية لا يطلب الآن شيئاً ثورياً، يقلب النظام رأساً على عقب، لا يطلب تعديلاً على دستور، أو تغييراً شاملاً في الحكم يُشابه مقولة “إعادة تشكيل السلطة في لبنان” بالشكل الذي طُرحت فيه إبّان انتخابات 2009.

 

كل المشكل حالياً، على مقعد وزاري واحد، يريد “حزب الله” إعطاءه لحليف له من النواب السنّة، ويُعلّق قيام الحكومة على هذا الأساس. ومن بعيد ستبدو الصورة غير مفهومة تماماً، بحيث أنه يصعب شرحها، وليس من السهل فهم كم أنها في الوقت نفسه، استمرارية لكل سياسة التغلّب السابقة، ونقلة نوعية فيها، الى ما هو أكثر من تعطيل لأجل تمرير شيء ما .. إنه الآن تعطيل من أجل تكريس أن ثمة مرجعاً أساسياً لتوزيع المناصب والمهام والوظائف، توزيع الأدوار، توزيع الخطاب. ورغم كل انعدام التوازن، فإن البلد ليس يملك أسباب هذا التنازل بالذات، وهنا تكمن المشكلة.

 

يقتضى الإقرار هنا، أن كل ما ساهم، وكل من ساهم، في إبعاد جادة النقاش السياسي في هذا البلد عن التغطية الدستورية لهذا النقاش، لعب دوراً في الوصول الى حالة التعقيد، والتصلّب، الحالية، بصرف النظر عن مآل هذه الحالة، والمخارج.

 

الابتعاد عن الإحالة الجدّية للنصوص الدستورية، خدم بالنتيجة المتغلّب، بأكثر مما كان يتمنّى. لم يكن المتغلّب لوحده المبادر الى هذا الابتعاد عن الركائز الدستورية. والحال أنه اليوم أكثر فأكثر، الأمور بين خيارين. إما البحث عن ترقيع على الترقيع على الترقيع، ودائماً بحسب شروط المتغلّب، من بعد تلطيف جزئي لها، وإما، التفكير في كيفية إعادة بلورة حالة “شوق الى الدستور” في البلد، هذا الشوق الذي لا يمكنه أن يكون فقط عندما يتعلّق الأمر بردّ أطماع المتغلّب وأمزجته، بل يشترط الالتزام بالدستور بشكل شامل وجدّي، وهو ما ابتعدت عنه أطراف عديدة بُعيد الانتخابات، ومع انطلاقة قطار التشكيل الحكومي. انطلاقة؟ بل إنه لم ينطلق من المحطة أساساً.