IMLebanon

جريمة زقاق البلاط: القتل السهل بين «عالمَين»

 

الزاروب الصغير الذي «تنزرك» داخله أبنية قديمة، يطل مدخله على مبنى مجلس شورى الدولة ومبنى الإسكوا التابع للأمم المتحدة. «الرينغ»، الأوتوستراد السريع، يفصل بين المكانين، بل بين «عالمَين». في الزاروب الصغير، الذي يتفرع من زقاق البلاط، حدثت الجريمة. الحي هادئ تماماً. لا شيء أمس كان يدل على أن جريمة حدثت في الصباح. لا أصوات ولا صخب، رغم زحمة المهتمين: كاميرات التلفزيونات، سيارة تابعة لقوى الأمن الداخلي، وأخرى للدفاع المدني تعمل على إزالة آثار الدماء. كان الجيران يتحدثون بشيء من الذهول والاستغراب، ويدلون بما رأوه للصحافة.

 

تقول القصة: الساعة السادسة إلا ثلثاً من صباح أمس، خرج علي ي. (14 عاماً) حاملاً بندقية صيد «أوتوماتيك» ونزل راكضاً من منزله في الطبقة الرابعة. لحقه والده (محمد ي.) محاولاً تجريده من السلاح. استدار الفتى نحو والده، وأطلق عليه النار، فأرداه على درج المبنى. صادف رجلاً (سوري الجنسية) في طريقه إلى عمله فأرداه قتيلاً هو الآخر. راح يصرخ بأعلى صوته: «اللي بيطلع عالطريق رح اقتلو». ركض إلى المبنى المقابل. كان الجيران قد خرجوا من بيوتهم ليستطلعوا الأمر، ومنهم الناطور منصور أحمد عبد السلام المعروف بـ«أبو أحمد» (وهو سوري الجنسية أيضاً) وزوجته، فأطلق النار عليه. مات «أبو أحمد» على الفور، فيما صعدت زوجته أدراج المبنى مذعورةً، فلحقها إلى الطبقة الثالثة، وأطلق النار عليها فأصابها في ذراعها (حالتها «مستقرة نسبياً»). بعد ذلك، وجد علي نفسه في «المنوَر»، في الطبقة الثالثة. لمح 3 شبان من آل شهاب، يقفون على شرفة منزلهم يستطلعون ما يجري، فأطلق النار عليهم هم أيضاً، وأصابهم ثلاثتهم: في العينين وفي الذراع، وأحدهم لا يزال في حالٍ حرجة. أخيراً، نزل إلى الشارع. وهنا، أوقفه الجيران.

أسباب الجريمة غير معروفة ومتضاربة. سكان الحيّ يجمعون على أن علي شاب خلوق وهادئ. يمر في الحي، يسلّم على الجميع، وعائلته «أوادم ما بيطلع حِسّهن». لكن في النهاية «البيوت أسرار». الوالد كان يعمل سائقاً عمومياً، أما علي فغير متعلم. يعمل، لكن أحداً لا يعرف طبيعة عمله. العائلة فقيرة، وهذا مؤكد، تقيم في منزل بـ«الأجار القديم». لكن، في مقابل «تكتم» سكان الحيّ وذهولهم، يلفت مصدر أمني إلى وقوع خلافات بين والد المشتبه فيه ووالدته، قبل الحادثة، ويرجح أن يكون لذلك «دور ما» في الجريمة، من دون أن يدلي بأي معلومات أخرى، كي «لا نستبق التحقيقات». المشتبه فيه قاصر، وينظر من بيته الفقير، كل يوم، إلى «العالم الآخر» ما «بعد الرينغ». وهو وعائلته، معاً، ضحية للنظام، وأيضاً للإعلام، الذي نشر صور الضحايا ــــ كما درجت العادة ــــ من دون مراعاة أو احترام لخصوصية الضحايا. وطبعاً، نشر اسم المشتبه فيهِ، علماً بأنه قاصر.

مسؤول حزبي في المنطقة، وهو قريب الإخوة شهاب الذين أصيبوا بإطلاق النار، أكد «أننا لا نعرف شيئاً عما حدث»، وأن «عائلة علي محترمة، ولا يجب تلفيق القصص حولها كما يحصل في الإعلام لمزيد من الإثارة». فيما يقول جار العائلة، الحاج سعيد بدران، إن ما حدث «سببه الفقر والتعتير».

الجرائم تتكاثر، لكن هذه المرة تترك وقعاً مختلفاً، لأن المشتبه فيه قاصر. المجتمع يغلي. مجتمع ينوء تحت أعباء اقتصادية ستخلق ظروفاً قد تجرد الإنسان من إنسانيته. ربما علينا أن نعيد رسم المشهد. علي يعيش في حي بائس يفتقر الى شروط الحياة الطبيعية. إنه فقير من عائلة فقيرة. وربما هناك خلافات. هذا لا يعني أن الفقراء مجرمون. المجرمون ليسوا الذين يطلقون النار فقط. كان علي يكبر وهو يرى، في مقابله تماماً، المباني الفاخرة تكبر بدورها، بينما يبقى الحيّ الذي يقيم فيه صغيراً ومهمّشاً. هذه ليست «محاولة تبرير»، لكن علينا أن لا ننسى أن جريمة أمس، وقعت على بعد أمتار من السرايا الحكومية، وأن الجرائم تتكاثر.