IMLebanon

الاقتصاد ليس خطاباً وحسب

دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في خطاب القسم الى اعتماد نهج تغييري لمعالجة الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمالية المتأزمة، يقوم على خطة اقتصادية شاملة مبنية على خطط قطاعية لدعم الاستقرار النقدي. كما اعتبر أمام الهيئات الاقتصادية ان الاقتصاد هو الداعم الاول للعملة اللبنانية.

تعتبر الخطة الاقتصادية خطوة في طريق اصلاح النظام الاقتصادي القائم على الريعية والربح والفوضى، اذ تقوم على تطوير القطاعات الاقتصادية القائمة واستحداث أخرى بهدف تكبير الاقتصاد ودعم العملة الوطنية وتبرز عبر:

1 ـ تطوير قطاع المعرفة: إنه احدى ركائز الاقتصاد اللبناني المستقبلي. يستند على الابتكار والرقمنة ويستطيع خلق آلاف فرص العمل كما انه يعتمد على وجود موارد بشرية مؤهلة وذات مهارات عالية وعلى توافر البنية التحتية المتطورة في تكنولوجيا المعلومات والاتصال والخدمات المالية وخدمات الاعمال. تقدر الامم المتحدة ان اقتصادات المعرفة تستأثر بـ 7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي وتنمو سنويا بمعدل 10 في المئة.

أصدر مصرف لبنان التعميم الرقم 331 عام 2013 لدعم قطاع المعرفة عبر تحفيز المصارف اللبنانية على استعمال 4 في المئة من اموالها الخاصة في الاستثمارات في الشركات الناشئة مع اعطائها ضمانات بنسبة 75 في المئة لهذه الاستثمارات كما قام بمنح قروض ميّسرة لهذا القطاع بقيمة 400 مليون دولار.

2 ـ استحداث قطاع النفط والغاز: يعتبر ضمانة مستقبلية للاقتصاد الوطني اذ يوفر مداخيل مقدّرة بمئات المليارات من الدولارات في السنوات القادمة لانعاش الاقتصاد وجذب المستثمرين ومعالجة الازمات على صعيد المالية العامة والمديوينة والبطالة والفقر.

على العهد الجديد، عدم اضاعة الوقت، والمباشرة بإقرار مرسومَي النفط والغاز، على ان يتم ذلك بشفافية وبعيدا عن المحاصصة السياسية، وذلك بهدف تجنب خسارة لبنان الاسواق المحتملة (الاسواق الاوروبية) لمنتجاته من الغاز الطبيعي، ومن استيلاء اسرائيل على قسم من المخزون النفطي والغازي في الحقول المشتركة بينهما (9 و 10). كما على العهد العمل على انشاء صندوق سيادي وشركة وطنية للنفط.

3 ـ تطوير القطاع الصناعي: يعاني القطاع من ارتفاع في كلفة الانتاج (اسعار الطاقة، الاراضي، اليد العاملة، الاتصالات) ومن صعوبة الحصول على التمويل (11 في المئة من اجمالي التسليفات) ومن المنافسة غير المشروعة. فتراجعت الصادرات الصناعية في فترة 2010 ـ 2015 حوالي 32 في المئة.

على العهد الجديد اتخاذ خطوات تشجّع على دخول القطاع في حقول الصناعات الجديدة ذات القيمة المضافة العالية (صناعة المعلوماتية، الصناعات الاعلامية، صناعة الاتصالات والاجهزة المعلوماتية).

4 ـ تطوير القطاع الزراعي: يواجه تحديات تعود الى كلفة الانتاج، ضعف التمويل (1.2 في المئة من اجمالي التسليفات)، إقفال المعابر مع دول الجوار.

على العهد الجديد العمل على فتح اسواق جديدة، وتوجيه القطاع الزراعي نحو زراعات ذات قيمة مضافة مرتفعة، وتعديل الروزنامة الزراعية، وتطبيق سياسات حمائية ووقائية.

5 ـ إصلاح البنية التحتية المترهلة: قطــاع الكهربـــاء (تنفيذ الخطة الاصلاحية الايجابية التي وضعت في العـــام 2010)، قطاع المياه والطرق والنقل.

6 ـ تطوير قطاع الاتصالات: لجذب الاستثمارات والشركات ورجال الاعمال وزيادة مداخيل الدولة (1.5 مليار دولار في العام الحالي) من خلال تزويد المستخدمين بخدمات الاتصالات المتطورة والبنى التحتية. لا بد من الاشارة هنا الى ان لبنان بات يحتل مرتبة متراجعة في قطاع الاتصالات في المنطقة ما ينعكس سلبا عليه اقتصاديا واجتماعيا.

يعتبر النهج التغييري في الاقتصاد للعهد الجديد إيجابيا لانه يسعى الى تكبير حجم الاقتصاد وجذب الاستثمارات واحتواء المديوينة وزيادة المداخيل العامة ودعم الاستقرار النقدي وخلق فرص عمل، كما يهدف الى تحويل الاقتصاد من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد الحقيقي، من اقتصاد مرهون بالعوامـل الخارجيـــة (تحويلات المغتربين، الاستثمارات الاجنبية المباشرة، مداخيل السياحة) الى اقتصاد يعتمد على العوامل الداخلية، من اقتصاد لا يولد فرص عمل (يخلق حاليا حوالي 6 آلاف فرصة عمل سنويا بينما يحتاج سوق العمل الى 23 الفا) الى اقتصاد يولده، من اقتصاد يفاقم اللاعدالة الاجتماعية الى اقتصاد يقلصها، من اقتصاد يزيد ظاهرة البطالة (اكثر من 25 في المئة من القوى العاملــة) الى اقتصاد يخففها، من اقتصاد يزيد ظاهرة الفقر (اكثر من 32 في المئة من السكان) الى اقتصاد يخفضها.

كذلك من الطبيعي، وبحسب الرئيس العماد ميشال عون، ان يكون الاقتصاد الداعم الاول للعملة اللبنانية وليست السياسة النقدية، وان يخرج لبنان من سياسة الاقتراض، ولكن ذلك يحتاج الى الحدّ من الهدر وضبط العجز القياسي في المالية العامة (اكثر من 6 مليار دولار في العام 2016 ونسبته تفوق 10 في المئة من الناتج المحلي)، ووقف التنامي المتسارع للدين العام (اكثر من 8 في المئة في العام الحالـــي ليتجــــاوز 75 مليــار دولار)، وتسجيل الاقتصاد معدلات نمو قوية تفوق 5 في المئة سنويا (حاليا اقل من 1 في المئة). كما يحتاج ايضا الى المناخ السياسي والامني المستقر لجذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي تراجعت في الفترة الاخيرة اكثر مــن 40 في المئة، والى تحسين الصادرات التي تقلصت اكثر من 35 في المئة، والى زيادة الحركة السياحية التي انخفضت اكثر من 30 في المئة، والى تخفيف العجز في ميزان المدفوعات الذي تجاوز 3 مليار دولار.

وأخيرا يحتاج الى ان يكون للحكومة سياسة مالية واضحة تستند إلى موازنة عامة مقرّة في المجلس النيابي وتتضمن اصلاحات اقتصادية ومالية واجراءات تحفيزية للنمو، لا سيما ان السياسة النقدية الايجابية المتبعة حاليا أنقذت العملة الوطنية من الانهيار وحافظت على استقرار الفوائد والليرة اللبنانية، وهي لا تتعارض مع السياسة المالية الهادفة الى الاستقرار النقدي والاجتماعي وتحفيز النمو، ولكن دورها تعزز في الفترة الاخيرة نتيجة الغياب الكلي للسياسة المالية.

يعتبر النهج التغييري في الاقتصاد خطوة ايجابية في طريق الاصلاح ولكنها طموحة، لانه يحتاج الى الاستقرار في الداخل وفي المنطقة، والى بيئة استثمارية مشجعّة، اضافة الى انه يحتاج الى سياسة مالية من قبل الحكومة فعّالة ومنتجة ومنسّقة مع السلطات النقدية. خطاب القسم جيد، لكن الاقتصاد ليس خطابا وحسب.

(&) خبير اقتصادي ومالي