بينما يستعد مجلس الأمن الدولي لتجديد تفويض قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل) في آب 2025، تتجه الأنظار كلها إلى واشنطن. ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، هناك أسباب قوية للاعتقاد بأن الولايات المتحدة لن تدعم ببساطة تمديد التفويض الحالي.
فمن المرجح أن تطالب الإدارة بإدخال تغييرات جذرية على صلاحيات “اليونيفيل” وقواعد الاشتباك الخاصة بها، وقد تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار لا يتضمن هذه التعديلات. ويتمحور الموقف الأميركي حول قدرة “اليونيفيل” على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين لبنان وإسرائيل في تشرين الثاني2024.
هذا الموقف المتوقع يستند إلى سوابق الإدارة الأولى لترامب، وإلى التغيرات الجيوسياسية الأخيرة في المنطقة. خلال ولايته الأولى (2017–2021)، انتقد الدبلوماسيون الأميركيون مراراً فاعلية “اليونيفيل” في الحد من تعزيز “حزب الله” لوجوده العسكري في جنوب لبنان.
وقد أعربت السفيرة نيكي هايلي وخلفاها جوناثان كوهين وكيلي كرافت عن استيائهم من أداء “اليونيفيل”، معتبرين أنها “مغمضة العينين”. وقالت هايلي في عام 2018:
“من المفترض أن توقف اليونيفيل حزب الله وغيره من الفاعلين عن تجميع الأسلحة وتهديد المنطقة. لكنها لا تستطيع أداء مهمتها وهي مغمضة العينين”. وفي عام 2020، دفعت الولايات المتحدة نحو تقليص عدد القوات وتوسيع صلاحياتها العملياتية، وهددت باستخدام الفيتو إن لم تُعتمد إصلاحات أساسية.
وقد انصبت المطالب الأميركية على ضرورة منح “اليونيفيل” الصلاحيات والقدرات الكافية لمنع “حزب الله” من تحويل جنوب لبنان إلى قاعدة متقدمة ضد إسرائيل.
حينها، دعت إدارة ترامب إلى تسيير دوريات غير منسقة، وضمان وصول غير مقيد، وربما تعديل التفويض من الفصل السادس (حفظ السلام) إلى الفصل السابع (التنفيذ بالقوة). وعلى الرغم من أن ذلك لم يتحقق، فإن النية السياسية كانت واضحة. وقالت كرافت عام 2020: “اليوم نوقف سنوات من التهاون في مجلس الأمن حيال اليونيفيل والنفوذ الإيراني المتصاعد عبر عميله الإرهابي حزب الله”.
في عام 2025، تغير السياق الإقليمي، لكن المنطق الاستراتيجي لا يزال قائماً بل وأصبح أكثر انطباقاً على الواقع، لا سيما بعد حرب المساندة وما أظهرته من عجز “اليونيفيل” (أو حتى ما اعتبرته إسرائيل تآمراً). فقد أُبرم اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024 بعد أشهر من التصعيد، وأنتج هدوءاً هشاً يتطلب مراقبة نشطة وتنفيذاً صارماً.
وقد نص الاتفاق بوضوح على تفكيك كامل لأي وجود أو بنية تحتية عسكرية لـ “حزب الله”، بدءاً من الجنوب، والتزمت الحكومة اللبنانية رسميًاً بتنفيذه.
هنا يأتي دور مقاربة إدارة ترامب الجديدة. مستندة إلى سياستها السابقة وإلى الدور الجديد للجنة الخماسية (برئاسة ضابط أميركي) المكلفة بمراقبة تنفيذ الاتفاق، من المرجح أن تصر الولايات المتحدة على أن تُمنح اليونيفيل صلاحيات تنفيذية لا مجرد مراقبة.
وهذا يعني تمكينها من إجراء تفتيش على الأسلحة، ومصادرة السلاح غير المرخص، واحتجاز منتهكي الاتفاق. وقد تطالب الولايات المتحدة حتى بتعيين ضابط أميركي لرئاسة “اليونيفيل” الجديدة المعززة، سواء كان رئيس اللجنة الخماسية نفسه أو ضابط آخر.
تشير تصريحات للمسؤولين الأميركيين منذ كانون الثاني 2025 إلى أن واشنطن بدأت فعلاً تمهيد الطريق لهذا التحول. وأفادت مصادر قريبة من الإدارة أن المبعوث الرئاسي الخاص للبعثات، ريتشارد غرينيل، يقود حملة دبلوماسية لإعادة تعريف مهمة “اليونيفيل”.
وفي جلسات مغلقة بمجلس الأمن، أبلغت الولايات المتحدة أنها ستعارض أي قرار لا يتضمن صلاحيات تنفيذية. وقال مصدر قريب من الإدارة: “يجب ألا تكون اليونيفيل مجرد متفرج، بل رادع.
وإذا لم تستطع منع حزب الله من خرق وقف النار، فلا جدوى من وجودها”. وتجدر الإشارة أن موقف الإدارة الديمقراطية السابقة لم يكن بعيداً، إذ قال المندوب الأميركي ريتشارد ميلز عام 2022: “قوات اليونيفيل تُمنع بشكل متزايد من تنفيذ المهام المكلفة بها والوصول إلى المواقع المثيرة للقلق”.
هذا الموقف المتشدد يتماشى مع عقيدة ترامب الخارجية، التي يمكن اختصارها بالقوة الأحادية، عدم التسامح مع قصور المنظمات الدولية، وأولوية الأمن الإسرائيلي.
كما أن سلوك الإدارة يُظهر أنها لا تخشى اتخاذ قرارات منفردة أو استخدام الفيتو لعرقلة ما يتعارض مع أهدافها الاستراتيجية. فإدارة ترامب تعتبر أن مرحلة أذرع إيران في المنطقة قد انتهت، ولا مجال لتهديدها السلام مجدداً. وقد اقترحت فعلاً في نيسان/أبريل 2025 إلغاء التمويل الأميركي لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك “اليونيفيل”، مشيرة إلى فشلها في مالي ولبنان والكونغو. جاء هذا ضمن خطة أوسع لخفض ميزانية وزارة الخارجية إلى النصف وإنهاء المساهمة في عمليات حفظ السلام بسبب ما وصفته الإدارة بـ “الإخفاقات الأخيرة” و”العبء غير المتكافئ”.
بطبيعة الحال، سيثير هذا الموقف اعتراضات من أعضاء دائمين آخرين في مجلس الأمن، لا سيما فرنسا وروسيا، اللتين تدعمان تقليدياً مقاربة أكثر حذراً حيال تفويض “اليونيفيل”. كما أن لبنان قد يعترض على ما قد يراه انتهاكاً للسيادة وتهديداً للاستقرار الوطني.
في ظل الواقع الهش بعد وقف إطلاق النار، ستصر واشنطن على أن “اليونيفيل” يجب أن تكون قوية ومعاد هيكلتها كي تفي بالتزامات القرار 1701 وتمنع اندلاع الحرب مجدداً على الخط الأزرق.
وعليه، فإن موقف الولايات المتحدة سيكون: إما “يونيفيل” معززة أو لا “يونيفيل” على الإطلاق. وما لم تُمنح القوة صلاحيات تنفيذية حقيقية لتطبيق اتفاق 2024، فإن الفيتو الأميركي في مجلس الأمن ليس احتمالاً بل هو المرجح.
يبقى السؤال: ماذا سيكون الموقف اللبناني الرسمي؟ وهل المجتمع الدولي مستعد لتقبّل واقع جديد، أم أنه سيجازف بانهيار الهدنة التي تحققت بشق الأنفس على الحدود بين لبنان وإسرائيل؟ هل سيشكل آب انتهاء فترة السماح المعطاة للبنان لتنفيذ تعهداته بسحب سلاح “حزب الله”، وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيه؟